على الرغم من أن القراء الإنجليز لا يهتمون بالرسائل قدر اهتمامهم بشخصية الكاتبين الشاعرين. فالرأي العام له بعض الإلمام بجوته، ولكن غبته في التعرف على شلر أكبر؛ لأن معرفته به قليلة جداً، وعلى هذا فإن رغبتنا الآنية تتلخص في تقريب شلر على نفوس القراء. كان يجب أن نذكر شيئاً عن شلر في مجلتنا، ليس لأهميته في الآداب الألمانية وحسب؛ بل في الآداب الأوربية كذلك، وهذه خطيئة نأمل أن نكفر عنها الآن وفي بحثنا هذا. أثبت الرجل عبقريته الشعرية والفلسفية بسلوكه وبسلسلة كتاباته التي أبانت ذلك للجميع، يتجلى ذلك في إعجاب أمته به في أثناء حياته وشهرته التي طبقت الخافقين خلال الخمسة والعشرين سنة التي أعقبت وفاته، هذه الشهرة التي استمرت في النمو والتوسع وتثبيت نفسها، وهذا ما لم ينله إلا ذو حظ عظيم. وليس بخاف أن عدم ذكرنا له ليس مرده إلى عدم إعجابنا به، بل لأن هناك كثيراً من الآداب الأجنبية تحتاج إلى الشرح والتفسير بخلاف شلر الذي يفسر نفسه بنفسه. تمتاز عظمة شلر ببساطتها، وأسلوبه في عرض هذه العظمة مفهوم من قبل كل شخص. ومن بين الكتاب الألمان الذين يمكن اعتبارهم من درجته، باستثناء كلوبستوك، يعتبر شلر أبعد ما يكون عن الوطنية بمعناها الضيق، اللهم إلا إذا اعتبرنا كلمة ألماني بما تعنيه من صدق وإخلاص ونبل وشهامة. أما أسلوبه في التفكير والنقاش فهو أوربي ما في ذلك ريب. وعليه فليس غريباً أن نلاحظ أن أي كاتب ألماني آخر لم يقابل بمثل هذا القبول الحسن لدى الأجانب، ولم يحظ بمثل ما حظى به بصورة دائمة. فجعله الفرنسيون قبلة أنظارهم ومطمح مقاصدهم، يتبين ذلك من ترجمتهم لمؤلفاته وشرحهم لها وتمثيلهم لرواياته على المسرح، واحترام أكثر النقاد له احتراما بالغاً. وهكذا أصبح شلر لدى الرومانيين الأستاذ الأكبر والمثل الأعلى والسفير الوسيط بين المدرستين القديمة والحديثة، وغدت مؤلفاته جسراً ذهبياً يصل حدائق فرسايل بأرض العجائب. وكذلك الحال معنا، نحن الذين لا نعير أهمية للرومانسية ولا للكلاسيكية، وخصوصاً بعد أن ذهبت ريح المشادة التي أثارها (باولز) بخصوص الشاعر بوب، على أن ذلك لا يمنعنا مطلقاً من أن نشعر بالاحترام العميق له؛ واحترامنا هذا لا يقتصر علينا وحدنا؛ بل يتعدانا إلى كل شخص له اقل ميل شعري. فقراء الألمانية، وهؤلاء يزدادون باطراد مستمر يعتبروت شلر باكورة الدراسات، وحتى ثقلاء الفهم منهم مجبرون على الاستمتاع بجمال كتاباته. أما