وتاجه في القلوب، وإقامة عرش وتاج الحرية عوضا منهما.
- لقد فهمت أيها الأستاذ. واطلعت على قيمة الدستور الحقيقية، فهل تسمحون بأن ننتقل إلى نصوص المواد ذاتها الآن.
تنص فاتحة مواد الدستور على تهجين الكذب وتحريمه. . فهل يعني ذلك أن لهذه الجريمة أهمية خاصة بها؟
- نعم!
- لماذا؟ وهل يستطيع إنسان أن لا يكذب إطلاقاً؟
- الرجل الحر لا يكذب أبداً. والكذب شعار الضعاف الأذلاء الجبناء. . . في حين أن تتطلب أن يمون الإنسان قوياً، شجاعا، ذا عزيمة ماضية. . ثم إن الكذب وسيلة لإخفاء الحقيقة وسترها، وحيث تختفي الحقيقة، تكون السيادة للباطل وحده. . ولا خير في موضع يسوده الباطل ويحكمه. . إن المجتمع الذي يعرف قدر نفسه لن يسمح بذلك بحال من الأحوال، وهذا هو السبب في أن بلاد الأحرار تهتم اهتماماً خاصا بهذه الجريمة.
- لقد فهمت أيها الأستاذ! واستنارت في نظري الآن جوانب كثيرة من الماضي الغابر. . ولكن كيف يمكن القضاء على شائبة الكذب في أرجاء مجتمع كبير؟
- هذه مسألة تربية وتهذيب ليس إلا. . تبدأ في الأسرة والمدرسة وتنتهي في المجتمع. . ذلك أن الأسرة والمدرسة هما وحدهما اللتان تضعان الأساس الروحي الأول للأطفال. . وأن الطفل ليس إلا مخلوقا يقوم بتأثر أمه وأبيه ومعلميه ومحاكاتهم فحسب. . ثم لا تنس أيضاً أن الطفل الذي ينشئه أب وأم ومعلم كاذبون لا يسعه إلا أن يكون كاذباً. . لهذا وجب على كل من الأب والأم والمعلم أن يبذلوا أقصى ما عندهم من جهد للحيلولة بين الطفل والكذب على الدوام وليس ثمة وسيلة أبعد أثراً واضمن لتحقيق النتائج المرجوة من اجتناب هؤلاء أنفسهم الكذب قبل كل شيء.
أجل! على هؤلاء أن لا يسمحوا للأطفال بأن يلجئوا إلى الكذب أبداً، كما عليهم أن لا يقروا أي نوع من أنواعه مهما بدا في مظهره تافهاً بريئاً.
وموجز القول يجب أن يكون الطفل عند مغادرته الأسرة والمدرسة وانتقال إلى المجتمع مقتنعاً في أعماق نفسه اقتناعا تاماً بأن الكذب إن هو إلا داء قذر مرذول يجب تحاشيه