وأنت ترى الناس وقد تحولوا عن الأدب الرفيع إلا قلة من أصحاب الذوق الرفيع، ومع ذلك فإن (الرسالة) قد أعلنت أنها ستزداد قوة في الأيام القريبة على أداء رسالتها التي آمن بها صاحبها أصدق إيمان، وجرد نفسه له خالصاً مخلصاً لا يبتغي إلا رضوان الله. .
إن الأدب الرفيع سيخلد ويعيش ويبقى. . وكل هذه التفاهات المزخرفة، والفقاعات الملونة التي تعجب بعض ذوي الأهواء. . ستموت وتنطوي. . وتذهب أدراج الرياح. . فلا تضيق يا صاحبي إذا لم يعجبك أمر الناس. وإنا لنعتقد وقد اعتدلت الموازين في الحياة السياسية والاجتماعية. . أن تعتدل قريباً موازين الأدب، وقد غلبت نزعة الجد في أمور الحياة، فلا بد أن يستجيب الأدب لها.
عود إلى الشعر المنثور
تفضل أخي الأستاذ إبراهيم عبد اللطيف نعيم فأرسل إلى كتابه (في الضباب) مع كلمة قال فيها (إنه وقف طويلاً أمام كلمتي عن الشعر المنثور).
وقد كتب صديقي كتابه هذا سنة ١٩٤١. . أي منذ اثني عشر عاماً.
كان أيامها في سن الحب والهوى. . تلك السن التي تتفق مع هذا اللون من الأدب، أما اليوم نراه وقد تحول عن هذا اللون
وكل شاب من الأدباء أحب هذا اللون يوماً كان السن وكانت العاطفة، وكانت وعمل متعددة تدفعه لان يقرأه، أو يعبر عن مشاعره بأسلوبه.
. . الضباب. . والظلال. . والأضواء الخافتة. . تلك هي مظاهر الحياة في سن الشباب، وهي مظاهر الأدب أيضاً، وفي هذا المعنى أقرأ للأستاذ إبراهيم في كتابه:
. . وفي عينيك رأيت الأسى والمرح
. . ورأيت اليأس والأمل
. . ورأيت الحيرة والاطمئنان
هذه صورة النفس في سن الشباب الباكر، عندما تتراءى الصور ولا تثبت، وتتبدى الأحلام كالخيال البعيد!
إن رأيي يا سيد إبراهيم في الشعر المنثور، هو أننا في عصر نهضة. . عصر بناء. . عصر الأعمال الضخمة. . عصر الجد الجاد؛ كل منا يستطيع أن يحمل حجرا كبيرا