أبويه عندما ولد وسماه بهذا الاسم احتقاراً لشكله واستصغاراً لشأنه. والحق أن هذا المخلوق الهش يشبه في انتسابه إلى هذا العرق القوي ذلك النبت الطفيلي الرخو الذي تعبث به الريح وهو قائم على جذوع السنديان.
دلف (تينور) إلى الغلام وقال له بلهجة الحانق المتوعد: (لقد منعناك أن تتبعنا إلى دلفي. . .) ولكن ابنة هرقليس التي ظلت إلى تلك الساعة ساكنة ساكتة محتجبة، ألقت نفسها بين الأخوين فقطعت من بينهما الشر، ثم أخذت الصغير من يده وخرجت به من المعبد وهي في صمم عن نداء هيلوس يدعوها إليه، وفي ذهول عن هتاف الإعجاب الذي انبعث عن يمينها وعن شمالها، لأن نقابها انحسر من ذات نفسه لسرعة المشي وشدة الحركة فبدت مكريا للعيون بارعة الجمال رائعة الحسن لطيفة الروح، وقد زاد في جمالها تلك الشفقة التي تجلت في صوتها وفي عينها؛ والشفقة عاطفة تجمل القبح، فكيف يكون أثرها في الحسن؟
عادت أسرة هرقليس كلها إلى أثينا في مركبة واحدة، وقد عقد الأبطال الثلاثة فلوبهم على أن يقترعوا بينهم غداً في معبد منيرفا ليعلموا أيهم يجب عليه أن يموت. وكان إكسوس المسكين قد جاء في اختيال ومرح يضع اسمه مع أسماء أخوته في الصندوق ولكنهم منعوه ودفعوه معتقدين أن من الإهانة للآلهة أن يهيئوا للقدر - وهو في أغلب أمره ساخر عابث - الفرصة ليقدم إليه هذا القربان الأعجف. أما أخته مكريا فلم يشاءوا أن يعرضوها معهم على رغبة الموت لسبب آخر غير سبب إكسوس؛ لقد كانت خطيبة (ليكوس) وهو زعيم من زعماء أثينا ذوي الرأي المسموع والأمر النافذ، (وأثينا هي التي غضبت لهم تلك الغضبة وشهرت دونهم السيف) فهم يحرصون لسبب سياسي أو أدبي على ألا يقطع الاستعداد للتضحية الاستعداد للزفاف لذلك وجدت مكريا غرفتها بعد عودتها تضوع بعبير الألطاف والتحفالتي قدمها (ليكوس) ولكن نفسها وهي تتسلف الحداد علة أخ من أخوتها لم يهزها كرم الهدايا ولم يسرها جمال التحف. على أنها رأت إكليل الزفاف مصوغاً من الزنبق الجميل النضر، فحملته ووضعته على جبينها من غير إرادة ولا وعي. وفي هذه اللحظة سمعت من خلفها زفيراً يتصعد في ضعف فالتفتت فإذا هي ترى إكسوس، إكسوس أخاها الذي جمعت له في قلبها الأم والأخت في وقت معاً، إكسوس الذي عنيت به وأقبلت