للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بحرارته، يجب أن يناسب بين أكسجين الهواء وكربون الطعام، أي يجب أن يحصل من الطعام على مقدار يكون ما فيه من كربون متناسباً مع الأكسجين الذي يصل إليه عن طريق التنفس. ولما كان الإنسان في الجهات الباردة يتنفس أكسجيناً أكثر من زميله فيالجهات الدافئة: أولاً، لأن الهواء أكثف في الجهات الباردة فيكون مقدار الأكسجين في الشهقة الواحدة أكبر مما لو كان الهواء مخلخلا خفيفاً. وثانياً، لأن الإنسان يتنفس في الجهات الباردة مرات أكثر عدداً في كل فترة زمانية. فهذا التنفس السريع من الهواء يضاعف كمية الأكسجين التي تصل إلى الجسم في الجهات الباردة. والنتيجة اللازمة لذلك أن الإنسان في هذه الجهات يجب أن يمد جسمه بمقدار من الكربون في طعامه أكبر جداً مما يتطلبه زميله ساكن الجهات الحارة. إذن فأهل الشمال بحاجة إلى لحوم الحيوانات المختلفة لما تحتوي عليه من الكربون الذي يتطلبونه في طعامهم، مع أن أهل الجنوب يكادون يقتصرون على النباتات وحدها. ومن الحقائق العجيبة التي تلفت النظر، أن كمية الحيوان أقل جداً من كمية النبات: ومعنى هذا أن أهل الشمال لا بد أن يبذلوا أضعاف المجهود الذي يبذله أهل الجهات الدافئة للحصول على طعامهم، ولا مندوحة إلى التعرض في سبيل ذلك إلى أشق الأخطار وأعنف الصعاب، حتى أن بعض الكتاب يعلل بذلك روح المخاطرة التي تميز الأخلاق الأوربية. وإذن فالنتيجة الطبيعية لقلة الطعام في الجهات الباردة دون الجهات الحارة، زيادة السكان في الثانية أعظم من الأولى. وزيادة السكان معناها كثرة الأيدي العاملة، وكلما كثرت هذه الأيدي قلت أجورها تبعا لقانون العرض والطلب. وقلة أجور الطبقة العاملة معناها أن تتجمع الثروة في أيد قليلة (هي الفئة القوية لأن توزيع الثروة توزيع للقوة) وهكذا تزداد هذه الطائفة ثراء على حساب أجور العمال. ثم يتسع هذا الفرق ويزيد حتى يتكون في الأمة طبقتان اجتماعيتان، بينهما فارق شاسع فسيح: طبقة الملوك والأشراف، والطبقة الفقيرة العاملة. وبديهي أن هذا الفرق الاجتماعي يكون في الجهات الدافئة أكثر منه في الجهات الباردة حيث السكان قليلون بسبب قلة الطعام، فتزداد أجورهم نوعاً، وبذلك تقل الثروة التي تتجمع في أيدي الفئة القوية، وتضيق مسافة الخلف بين الطبقتين، ولعل هذا هو السبب في تمكن النزعة الاستبدادية في بلاد الشرق، ونماء الديمقراطية في ربوع الغرب. ويظهر مما سبق أن العاملين اللذين أشترطهما (بكل)

<<  <  ج:
ص:  >  >>