جديدا أخاذا، يزيده روعة هذا الجرس الموسيقي الساحر، هو بحق من أكثر الأدباء سيطرة على اللغة وقدرة على التلاعب بالألفاظ، حتى لكان اللغة - كما يعبرون - قد أسلمته قيادها فلحنها أنغاما طروبة افتن ما تكون في (موشحاته) المرقصة التي انفرد بها وحقق للأندلسيين ما كانوا يرنون إليه. . . ولا حاجة بنا إلى الاستشهاد ففي ما عرضنا الكفاية. ولنختم حديثنا عن هذا (الغرض) بهاتين الصورتين القريبتين البعيدتين لتدرك كيف تمر الحقائق الجانحة بخيال الشاعر فيخرجها حية ناضرة مفعمة بالحرارة، مترعة بالظرافة الخفيفة الفطرية التي لم تستطع تلكم العواطف الصاخبة رغم تأججها، أن تخفي حلاوتها ومرحها: -
أين حقل مائج الزهر ظروب ... نتخطاه وقد مال الغروب؟
انبرت تملي على الزهر كتابا ... من سرور. . وهو يفتر جوابا
حسناء. . إن تبعدي عني فما غربا ... صوت طروب، وثغر باسم، وصبا
وخفة من فؤادي. . خلتها لعبا ... حتى إذا أفهمتني أختها السببا
أيقنت أن الذي غالبته غلبا!
وأما المضمار الواسع الثاني، والذي استأثر بأكثر اهتمام شاعرنا الفتى فهو مضمار البطولة، مضمار الوطنية المشبوبة
صبى صغير، يرتع ويلعب على ساحل الأبيض المتوسط، تدغدغه الأمواج، وتداعبه النسمات، ثم لا يلبث فجأة أن يجد الغاصب المتعسف ينهب وطنه، ويستأثر بملاعب صباه، ويشرد أهله ويسلبهم أملاكهم. . ويتشرد هذا الصبي مع المتشردين. . ويترك وطنه مع اللاجئين. . وفي فؤاده نار. . وفي عينيه دمعة أبت عليها حرارة الزفير أن تسيل. . هذا الصبي الملتاع يشب وتشب معه مآسي وطنه فهو أينما تلفت فعلى لواء مسلوب أو وطن موطوء، وهو أين ألقى بطرفه - فعلى نصل تغذيه (صلة) رقطاء
ليت شعري بعد هذا كيف تخبو هذه الشعلة في فؤاده وكيف يلطف هذا السعير في عروقه؟ لقد صهرته النكبات أذابته النوائب، وصاغته الأعاصير نشيدا عاصفا ولحنا ملتهبا، ويهتف