وهنا سر إغرام الأمريكان بنظريات (كينز) وعودتهم إليها بين آونة وأخرى كلما استعصى عليهم أشكال عاجل بينما تعمد البريطانيون - أهل كينز ومواطنوه - تجاهل جزء كبير من مشورته ونظرياته. فالعقلية البريطانية تحتسب الأمور ولا ترى في الحالة الراهنة كل شيء! بينما يميل الأمريكان إلى معالجة مشاكل الساعة بالمسكنات وحبات الأسبرين والأقراص الكيماوية المنومة.
وتطورت فكرة (كينز) عن النقد فأصبحت برنامجاً تطبيقياً عملياً. فقد شغل هذا العالم في سنوات الحرب باستثناء المشاكل الاقتصادية والنقدية العويصة التي تأتى عادة في أعقاب الحروب، وخرج من تحليله لمستقبل الاقتصاد العالمي ببرنامج (لاتحاد دولي للقضية النقدية) على أساس عالمي. ونشر هذا البرنامج في عام ١٩٤٣ عندما كانت رحى الحرب لا زالت دائرة. وهدف هذا البرنامج تنسيق المعاملات النقدية على أساس عزم الدول جميعها على ضمانة هذا التنسيق ضمانة رسمية، وأن تقوم هذه الدول في نفس الوقت على توسيع تبادلها ونشاطها الاقتصادي والتجاري على أفسح مجال ممكن. فهذه الضمنة النقدية وهذا التوسيع الاقتصادي سيجعل نقد الدولة مستندا إلى نشاطها التجاري والاقتصادي لا إلى سعر الذهب فحسب.
واقترح (كينز) في برنامجه عن (الاتحاد الدولي للتصفية النقدية) أن يقوم الاتحاد بجمع اكبر عدد ممكن من الضمانات النقدية للدول الأعضاء، وأن يوضع هذا المبلغ المجموع تحت تصرف الدول الأعضاء تقترض منه إذا شاءت بقدر ما يراه الاتحاد ضرورياً لها وبنسبة متمشية مع حصة الدولة في ميزانية الاتحاد، على أن يقوم الاتحاد باتباع سياسة سمحة تعين الدول في الحصول على النقد العزيز حتى لو كان الميزان التجاري لهذه الدولة تعترضه بعض النكبات.
واقترح على الاتحاد كذلك أن يشجع الاستدانة والإقراض بين الدول الأعضاء على أساس المسؤولية الحكومية المتبادلة. أما تحديد أسعار النقد لأي دولة فأمر لا لزوم له في برنامج هذا الاتحاد، ويترك أمر هذا التحديد للتطورات ولمدى النشاط الاقتصادي في تلك الدولة على أن يكون ذلك خاضعا لرقابة دولية نزيهة.