ووافقت بريطانيا فوراً على هذا البرنامج. ولكن الولايات المتحدة الأمريكية تقاعست أول الأمر عن قبوله بحذافيره، وادعى الأمريكان أن هذا البرنامج يفرض على أمريكا دفع اكبر حصة من ميزانية الاتحاد، فالحصص في الاتحاد تتناسب مع سعة النشاط الاقتصادي في الدول المشتركة فيه. ولما كانت أمريكا أعظم بلدان العالم نشطاً في المجال الاقتصادي فأن حصتها في الدفع لميزانية الاتحاد ستكون اكبر حصة. ورأى الأمريكان فضلاً عن ذلك أن اشتراك جميع الدول في هذا الاتحاد ودفعهم نقدا محلياً (دعائمه غير ثابتة في كثير من الدول) ثم تخويلهم سحب القروض من الاتحاد بالعملة التي يشاؤونها (ومعظمهم راغب في اقتراض الدولارات الأمريكية) - هذا التخويل يشجع الدول الهزيلة الكسولة في النشاط الاقتصادي على الاقتراض في غير وعي وحساب، ويكون ذلك الاقتراض على حساب الدول الصناعية الفنية الكبرى وفي طليعتها أمريكا.
ولم يرفض الأمريكان فكرة (الاتحاد الدولي للتصفية النقدية) وإنما اقترحوا تعديلات جوهرية عليها. وفي مؤتمر (بريتون وودز) الذي عقد في الولايات المتحدة الأمريكية في عقاب الحرب العالمية الأخيرة مباشرة اقنع الأمريكان المستر (كينز)(الذي من ابرز المشرفين على هذا المؤتمر) بتعديلاتهم - أقنعهم كينز ببعض نظرياته التي كانت موضوع جدل، ونجح الأمريكان في ذلك المؤتمر بتقييد عملية الاستدانة والإقراض للدول الأعضاء التي تنضم إلى الاتحاد النقدي الدولي. وغضب (كينز) لهذه القيود الشديدة التي وضعها الأمريكان على برنامجهم العالمي ولكنه رضى بها وكان من نتائج هذا الرضى أن استطاعت (بريطانيا التي كان المستر كينز يمثلها في مؤتمر بريتون وودز) في الحصول على أول قرض وهبات سخية من الدولارات الأمريكية.
وذهب الأمريكان إلى ابعد من ذلك، فلما تبلورت فكرة الاتحاد الدولي للتصفية النقدية في مؤتمر (بريتون وودز)(وتأسس صندوق النقد الدولي التابع لهيئة الأمم المتحدة) بعد المؤتمر بقليل أصرت الحكومة الأمريكية أن يكون لها إدارة هذا الصندوق مع أنه اصبح وكالة فنية خاصة تابعة لهيئة الأمم. وعارض (كينز) في ذلك وقال بما أن للأمريكان تحفظات شديدة في هذا البرنامج فإن إدارتهم لصندوق النقد الدولي (الذي وكل بتنفيذ البرنامج) ستؤثر تأثيراً شديداً في مستقبل الفائدة المطلوبة من هذا الصندوق الدولي. ولكن