وعلى مدى إدراك الناس لفضائل الادخار والاستثمار والإقبال على رفع مستوى معيشتهم وترك النقد المتداول جاريا مجرة سليم.
وتعمق كينز في هذه النظرية الاقتصادية القويمة على ضوء الأضرار الواسعة التي جلبتها الحرب على اقتصاديات الدول الصناعية الكبرى وعلى مصانعها وموارد إنتاجها، وعلى ضوء التقلبات السياسية والاجتماعية التي ألمت بجزء واسع من آسيا وأمريكا الجنوبية وأفريقيا (إلى حد ما) وهو جزء كان فيما مضى أجزاء من إمبراطوريات استعمارية واسعة. وخرج كينز بعد هذا التعمق بنتيجة مخالفة لهذه النظرية الاقتصادية القديمة فوجد:
أن العمالة الكاملة ليست أساس كل شيء، ففي استطاعة الدول أن تعيش على اقتصاد سليم إذا توفر فيها الاتزان - عمالة معتدلة لا هي بالكاملة ولا هي بطالة متفشية.
يجب على الدول الصناعية الكبرى التي تعيش على الاقتصاد الحر أن تدرك من أن النكسات الاقتصادية الخطيرة التي تصيبها بين آن وآخر - ليست عوارض تأتى وتزول - بل إن من الممكن لهذه النكسات أن تتطور فتولد إفلاساً تاماً لهذه الدول.
ويهمنا هنا أن نتعرف على موقف الأمريكان من نظرية (كينز) الجديدة؛ فقد استمر (كينز) يدخل تعديلات وإصلاحات على نظريته مما لا مجال لذكره هنا، وكان لا يجبن عن أن يناقض نفسه في رأي كان قد قرره سابقاً ثم وجد أنه مخالف لحقائق اكتشفها الآن. فهذه المرونة وجدت قبولاً حسنا لدى العقلية الأمريكية التي وجدناها طلقة لا تتقيد بحدث مضى ولا تترقب خفايا الغد البعيد.
فقد وجد الأمريكان أن كينز يعطي أهمية فائقة للاستهلاك الفعال في النشاط الاقتصادي. فقال إن علة القلق الاقتصادي الذي يعتري النظم الرأسمالية هو في الاستعمال الخاطئ للدخل والدخل على أنواع: دخل ينفق ودخل يدخر ودخل يستثمر في المشاريع المربحة. وأمر كينز ضرورة الاهتمام الرئيسي بالنوعين الأخيرين من أنواع الدخل وهما الدخل المدخر والدخل المستثمر في المشاريع المربحة. وقال إن ثروة الشعوب لا تقدر بكمية ما تملكه من مال مدخر بل بكمية الاستهلاك الفعال المستمر الناتج عن سياسة الاستثمار النافع الواسع النطاق.
وحذر كينز الدول الرأسمالية الكبرى بأنها يجب أن تتبع النصائح التالية إذا شاءت لنفسها