للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على بعضهم إذ قال: وإن كان في كتب المسعودي والواقدي من المطعن والمغمز وهو معرف عند الإثبات ومشهور بين الحفظة والثقات.

وكان أهم ما أخذه ابن خلدون على المؤرخين القدامى اعتمادهم في الأخبار على مجرد النقل دون تحكيم أصول العادة وطبيعة العمران ومبادئ الاجتماع.

إن الأخبار إذ اعتمد فيها على مجرد النقل ولم تحكم أصول العادة وقواعد السياسية وطبيعة العمران والأحوال في الاجتماع الإنساني ولا قيس الغائب منها بالشاهد والحاضر بالذاهب فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم والحيد عن جادة الصدق. وكثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاً أو سميناً ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبورها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار فضلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط ومع أننا لا نوافق ابن خلدون في كل ما جاء في مقدمته وخصوصاً في تحامله على العرب نرى أن طريقته في تدوين التاريخ كما جاءت في المقدمة هي الطريقة العلمية. ويغلب على ظننا أنه كتبها بعد أن انتهى من تأليف كتابه لأنه لم يجر على المنهج الذي رسمه لنفسه فيها.

ولا نريد أن نضرب الأمثال على تخبط المؤرخين القدامى في الحوادث فقد سرد أبن خلدون عدداً منها وناقشها مناقشة علمية، ولكنا نورد حادثتين على سبيل التمثيل لا الحصر يؤيدان ما ذهبنا إليه؛ هما: فتك المنصور بابي مسلم الخرساني وتنكيل الرشيد بالبرامكة وفيهما يتضح التخبط في تعدد الأسباب واختلاف الآراء.

وهناك ناحية أخرى لها أهميتها البالغة وهي الشعوبية المدمرة التي أطلت برأسها في العصر الأموي ثم استعمل في خطرها في العصر العباسي فلم تترك خليفة من الخلفاء العرب أو قائداً من عظام قوادها إلا حاولت أن تغض من قدره وتحط من شأنه باختلاق الأكاذيب وابتداع الأقاويل التي لا ظل لها من الحقيقة. لذلك أرى أن تمتد رسالة اللجنة المؤلفة لتوحيد مناهج التاريخ إلى النظرة الفاحصة في تاريخ الأمة العربية والعمل على إعادة كتابته من جديد. ولا بأس من أن نمهل اللجنة حتى تفرغ من مهمة توحيد مناهج التاريخ المدرسية.

<<  <  ج:
ص:  >  >>