للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ويقول هؤلاء بأن الشخصية الروسية منطوية على نفسها عاطفية تتضارب فيها الأزمات الروحية وفيها نزعة إلى الجدل الغامض والرغبة في الراحة والطمأنينة التامة. ومرجع ذلك إلى النكبات التي حلت بالشعب الروسي تحت سيطرة القياصرة (وقبلهم تجولند وجنكيزخان) وجبروتهم وعبوديتهم واسترقاقهم لأفراد الشعب الروسي. فهذه النكبات قد أوجدت في الشخصية الروسية رغبة ملحة في الاستقرار والطمأنينة، وأولد فيها حبا عميقا للوطن الروسي، وأذكى في الروس قومية عنيفة لا تتوانى عن الموت في سبيل الدفاع عن الوطن وصيانة حدوده من أطماع الخصوم. وهذه الرغبة في توطيد الاستقرار والطمأنينة والدفاع عن الوطن الروسي تتطور في حالات معينة بتأثير الأحداث السياسية فتميل إلى التوسع على حدود الوطن الروسي كوسيلة لضمانته وحراسته. ومن الصعب على العقلية التي من هذا القبيل أن تحدد المدى الجغرافي الذي ينته عنده توسعها الإقليمي خارج الوطن الروسي. وأصحاب هذا الرأي من خبراء الثقافة والتاريخ وعلم النفس الاجتماعي يعتقدون بأن الفلاح الروسي واسع الخيال - وخياله مستمد من هذه السهول الشاسعة الواسعة التي تهيمن على جزء كبير من الوطن الروسي - من حدود فنلده إلى مياه بحر الصين - سهولا لا نهاية لها يتصور العقل الروسي أن في نهايتها أسرارا رهيبة، فمن السهول الآسيوية - خففت جحافل التتر والمغول، ومن السهول الأوربية شن نابليون وهتلر غزواتهما. وكم شط الخيال بالشخصية الروسية فدفعها إلى الرغبة الملحة في سبر غور هذه المجاهل البعيدة واكتشاف أسرارها؛ ولكن طبيعة المعاش وقساوة المقادير وصعوبة المواصلات لم تحقق لمعظم الحالات للشخصية الروسية هذا الحلم. فإذا عادت إلى الحياة الواقعية ثارت على هذه الأسرار ثورة الناقم؛ فإذا ناداها منادي ضد هذه الأسرار الغامضة - ضد هؤلاء الأعداء الذين يكمنون وراء الأفق البعيد ويضمرون للوطن الروسي شرا - لبت الشخصية الروسية النداء في حماس مندفع تشهد له بطولة الجندي الروسي في ميادين القتال.

والأدب الروسي ملئ بوصف هذه السهول والأسرار الغامضة الرهيبة التي تكمن في أفقها البعيد، ففي إنتاج (ترجنييف) الأدبي مادة غريزة عن هذا وأوصاف متعددة له.

كتب (ترجنييف) إلى مدام فيادون في عام ١٨٥٠ يقول:

(دعى روسيا بسهولها المترامية الأطراف الهادئة الساكنة الصامتة صموت أبي الهول

<<  <  ج:
ص:  >  >>