للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

(والسوفييتية أيضا) - وهي ما هي عليه من مقومات خلقية - أن نكتفي بالتحصن على حدودها الطبيعية وتقبل الالتزامات الدولية والمعاهدات القانونية مع العالم الخارجي على أنه ضمان لهذا التحصن.

ويقول لك أصحاب هذا الرأي بأن من الصعب على العقلية الروسية أن تتحصن في حدودها الجغرافية وتترك العالم الخارجي وشأنه. فالرغبة في التوسع ليست مدفوعة بنزعة استعمارية كامنة في العقل الروسي بقدر ما هي تلبية لشعور عميق بالخوف مما وراء الأفق. فذكريات الحروب النابوليونية والهتلرية في روسيا الأوربية، وفظاعة الحروب المغولية اليابانية في روسيا الآسيوية لا تزال حية في التفكير الروسي شعبيا كان أم سوفييتيا.

ومما لا ريب فيه أن استعداد روسيا السوفييتية اليوم عسكريا قد بلغ من القوة والمهارة بحيث يضمن الحدود الروسية الجغرافية إذا قيست الحروب بمقاييس الدفاع لا بمقاييس الهجوم. وامتلاك روسيا للقنابل الذرية وتفوقها في السلاح الجوي والغواصات على خصومها في المعسكر الغربي لم يمنع عن العقلية الروسية (والسوفييتية) الخوف من هذا الخصم المخيف الذي يجثم وراء الأفق البعيد بقنابله الذرية يضرب بها موسكو والمدن الروسية فيعيد إلى الذاكرة تاريخ الغزوات النابوليونية والهتلرية والمغولية. ومن الطريف أن الوفد الروسي في هيئة الأمم المتحدة يرفض باستمرار أن يبحث مشاريع خفض التسلح ومراقبة القنبلة الذرية قبل أن يأخذ وعدا قاطعا بتحطيم القنابل الذرية الموجودة حاليا لدى الدول الكبرى قبل الشروع في التفاوض على مشاريع خفض التسلح ومراقبة الإنتاج الذري؛ فهذا الإصرار مدفوع بهذه الخاصة - خاصة الخوف مما يكمن في الأفق البعيد - التي هي جزء من مقومات الخلق الروسي القومي.

وثقة الروس في المعاهدات الدولية ثقة ضعيفة. فالواقع أن جوهر الخلاف بين المعسكرين المتطاحنين السوفييتي وحلف الأطلنطي هو أزمة في الثقة، فلا الروس واثقون من أن خصومهم سيتقيدون بالمعاهدات الدولية فيحترمون حدود الوطن السوفييتي ومنطقة نفوذه، ولا الأمريكان واثقون من أن الحكومة السوفييتية تحترم المواثيق العالمية وتعكف عن التوسع الإقليمي والسياسي والفكري في آسيا وأوربا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>