للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يرون من رأي ويصطنعون من مذهب. وقد جدف علماء المسلمين كثيرا في تفسير القرآن، وفي تأويل الحديث، وفي الفهم عن موارد الإسلام النقية، حتى كانوا_من حيث يعلمون أو لا يعلمون_عونا لأعداء الدين، بل كانوا أشد إيذاء له وتكديرا لصفوه، فاتخذت أقوالهم وأعمالهم حجة على الإسلام لا حجة له (إن النقائص التي مثلت بالإسلام في أعين غير أهله، إنما نشأت من اعتبار أعمال الخلف الصالح، ميزانا لتقدير قوانين الشرع ونواميسه، فمن قائل بسد باب الاجتهاد، ومن إمام أو خليفة قضت عليه أغراضه البهيمية أن ينتهك حرمات الله، ثم يحارب الله فينسب إليه ما ليس من دينه في شيء، ومن عالم اشترى الحياة الدنيا بالآخرة، فأفتى بما يطابق أهواء ملك أو أمير تذرعا إلى الزلفى منه، ومن أحمن أرعن لم يرض من اليسر ما رضى الله لعباده فشط بالناس وأعتسف بهم، حتى ضاقت نفوسهم، وأيقنوا بالعجز عن احتمال تكاليف الدين فانقطعوا عنه ظانين بالدين الظنون)

والدعوة الإسلامية دعوة تهذيبية اجتماعية إصلاحية. ولكن كثيرا من المسلمون لم يرموا إلى هذه الغاية في تفسيرهم القرآن الكريم، ففسروه على وجوه مختلفة، لا على هذا الوجه الذي يؤدي إلى غابته الرفيعة. منهم من فسره تفسيرا علميا فلسفيا مستوحيا الحقائق العلمية والنظرات الفلسفية. ومنهم من حشاه بالإسرائيليات التي لا تغني كثيرا ولا قليلا. ومنهم من عنى بالنكات البلاغية والفوائد النحوية. ومنهم من جعل للقرآن ظاهرا وباطنا، فالظاهر للعوام، والباطن للخواص، مع أنه قرآن عربي صريح واضح، ومنهم من أول بعض الآيات تأويلا سيئا يصرفها عن غرضها الذي سيقت له إلى أغراض أخرى ليست من الإسلام في شيء.

هذه الجهود المختلفة في تفسير القرآن، لم تكن على بصيرة من هدف الدعوة الإسلامية، ولم تكن تستقي من منابع الإسلام الصافية، ولذلك ضلت الطريق السوي في خدمة الإسلام والمسلمين ولو أنفق المسلمون جهودهم في الاستنارة البصيرة، والاجتهاد القويم، وشرح أهداف الإسلام كما يرسمها القرآن والحديث، لما كانت هذه الدعاوى المزورة التي يقصد بها الإزراء على الإسلام وعلى نبيه وعلى مبادئه وغاياته.

إن الإسلام يجل الحرية. ذلك لأن أنسامها تنفس عن الصدور والعقول والأفئدة، وترقى بالإنسانية مصعدة في مدراج الكمال، وتضفي على أعمال الإنسان وأقواله وأفكاره وشاح

<<  <  ج:
ص:  >  >>