العربي والإنجليزي. وقد أخرج شكري الجزء الأول من ديوانه وهو يعد طالب بالسنة الأولى وكان له في الوسط الأدبي ضجة كما كان السباعي يكتب في (الجريدة). . وكان هذا بمثابة الدافع والحافز للمازني، فعالج الكتابة والشعر، وبدأ ينشر في الصحف منذ عام ١٩٠٧. وتوثقت الصلة بينه وبين شكري، أو كما يقول (فصار أستاذي وهو زميلي، وكان ينقصني التوجيه فتولاه شكري).
ووسع المازني، وهو طالب بعد، أن يقتني الكتب. . (وكان موظفو مكتبة (ديمر) يعرفونني ويأتمنونني لكثرة ما أشتري منهم، وهو في كل شهر فوق الكفاية لشهور. ومع ذلك غافلتهم وسرقت طبعة جيب لروايات شكسبير! وإن كانت عندي مجموعة كاملة منها بشروحها وتفاسيرها!)
وكان كما يقول كثير الغياب عن المدرسة؛ (لأني كنت أسهر إلى الصباح أقرأ وأحاول أن أفهم، ثم أنام فأخلف. فدعاني ناظر المدرسة، المرحوم إسماعيل حسنين باشا - عليه ألف رحمه - وقال لي يا بني إنك (حمار) في العلوم الرياضية، وأنا أخشى عليك الرسوب، ولا ألومك على التخلف ما دام هذا عذرك، فخذ إجازة خمسة عشر يوما، واقرأ ما شئت، ثم واظب بعد ذلك على الحضور).
وظل هذا نهمه بالقراءة المتقصية العميقة وعكوفه على الكتب ومنها الجاف العويص مثل (أصل الأنواع) لدارون. ولم يصرفه تخرجه واشتغاله بالتدريس عما كان فيه.
ويروي المازني أنه اتفق يوما أن كان في مقهى فيما يعرف الآن بميدان الإسماعيلية، (. . وكان معي كتاب الشاعر على مائدة الإفطار لويندل هولمز، وكنت اقرأ فيه. فمر أستاذي في الأدب الإنجليزي، فنهضت لتحيته، فقال لي بعد كلام، لقد أصبحت موظفا وأكبر ظني أنك انصرفت عن القراءة والإطلاع، فأريته الكتاب فربت على كتفي وقال، هذا ما أرجو، أن تظل تقرأ وتقرأ ولا تشبع، وأن تحرص دائما على أن تضيف عقولا على عقلك).
ولعل الإنصاف يقتضينا أن نزيد هنا كلمة حق. فقبل أربعين سنة، لم يكن يتيسر لطلاب الأدب في مصر سبيل القراءة الأدبية كما تتيسر لطلاب اليوم. فقد كانت أمهات الكتب العربية - في الأغلب - لا تزال مخطوطة في دور الكتب العامة أو المكتبات الخاصة، وكان ما طبع منها في مصر أو الشام، على ضآلته، حافلا بالنقص والتشويه والتصحيف.