للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أينما كنت أذهب كان أثر أقدام الملوك مرسوما محفورا على ذلك البلاط القاني. . . فمنهم من كان يمشي على دم أخيه، ومنهم من كان يسير على دم شعبه، فتترك أقدامهم من خلفها أحرفا ناطقة: هنا مر ملك!

أما القساوسة فكانوا يخفون السيوف في مطاوي أثوابهم الكهنوتية وأصواتهم تعلن الحروب باسم الإنسانية وباسم الله.

كان العالم كله ثملا بخمرة البطش، يضرب كل منهم أخاه سيف ذي حدين، والأرض عطشى تكرع من الدم ولا ترتوي.

- ٤ -

وعند ذلك صاح جنوص لقد هلت تباشير الصباح، ولكن طرق آذانهم صوت بوق بعيد لم يكن غير أمر للمتفرقين من الجند بالاجتماع تحت علمهم، فنهض الثلاثة حاملين أسلحتهم ثم ابتعدوا وهم يرسلون إلى موقدهم نظرة وداع أخيرة. غير انهم لمحوا رفيقهم الباقي مقبلا وقدماه معفرتان بالتراب فاستوقفهم يقص عليهم ما رآه:

قال: إنني أجهل من أين أتيت لأني كنت أعدو عدوا وكأن الأشجار لجزعها تعدوا مثلي حتى غلب علي سلطان النوم فنمت حيث رأيت نفسي فوق تل منفرد وقد كادت قدماي تحترقان من حرارة الشمس.

وبينما أنا أثب من صخرة إلى أخرى لمحت رجلا صاعدا نحوي وعلى رأسه تاج من الشوك وعلى كتفيه معطف ثقيل والعرق يتصبب من وجهه في حمرة الدم، وكانت حرارة الشمس قد أثرت في قدمي فأخذت في الصعود حيث أنتظره تحت كل شجرة فوق التل، حتى إذا اقترب مني وجدته يحمل صليبا ففرحت إذ بيده ملكا.

ولكن جنودا كانت تجد في أثره وهم يهددونه بحرابهم، حتى إذا ما أدركوه صلبوه فوق تلك الشجرة ودموعه تسيل وعلى شفتيه ابتسامة صفراء تنم عن مبلغ ما حل به من الحزن.

هالني هذا المشهد ولكنني رأيت الرجل عظيما في موته فتأكد لي أنه غير ملك. ولذلك أشفقت عليه وأنا أصيح بهم: اطعنوه في قلبه حتى لا يطول عذابه. وعندئذ وقفت حمامة على الصليب وأخذت تنوح ونبرات صوتها تصل إلى سمعي فتصورها لي عذراء لم تملك نفسها من البكاء وكأنها تقول:

<<  <  ج:
ص:  >  >>