للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الذي يهدد أرواحهم بالفناء، فكانت تتلى بعض الأدعية التي تدفع عن الميت الأشرار. ولما أخذت هذه الأدعية في الازدياد والتكاثر بمرور الزمن خاف الكهنة عليها من النسيان، فدعت الحاجة إلى تدوينها؛ فاخترعت الكتابة الهيروغليفية وهي كتابة رمزية تستخدم الصور في التعبير، وسرعان ما استعان بها المصريون في حماية الموتى، فدونت على جدران المقابر والأهرام أدعية وطلاسم ظن أنها تحفظ الموتى، وتحول المآكل والمشارب المرسومة إلى حقائق، كما وضع في توابيت الموتى لفائف من ورق البردي تحوي تعاويذ تحفظ الروح من الأخطار، وتقيها أشرار القبر.

فالرغبة الأكيدة في بقاء الجسد سليما دعت إلى اختراع الكتابة التي سرعان ما عم استخدامها في الوثائق العامة والتجارية، ثم نشأت كتابات أخرى أكثر منها اختزالا، خرجت من مصر، وانتشرت في بقاع العالم المتمدن في ذلك الوقت. ولما احتاجت الكتابة إلى ورق اخترعت صناعة الورق وتقدمت على أيدي المصريين حتى أصبحت سلعة مربحة وهامة، تباع في الأسواق الخارجية. أما الكتابة على جدران المقابر فتتطلب مهارة في الرسم والنقش والتصوير، لأن الكتابة الهيروغليفية المقدسة، تعتمد على صور شتى الحيوانات والنباتات ومختلف الأشياء، فكان الحافز الديني دافعا ملهما عمل على تقدم فن الرسم والنقش والتصوير، وبرع المصريون فيه براعة يسرت رسم الخطوط وعودت المخيلة على تصور الكائنات الحية، ودربت القدرات على التعبير الصادق لحياة هذه الكائنات وحركاتها، ومرنتها على الاستعانة بالألوان الزيتية التي تظهر الصور على أنها حقائق حية، حتى خيل لقدماء المصريين أن يستغنوا عن وضع المآكل والمشارب والحاجات التي ظن أنها تلزم الميت، واكتفوا برسم صور حية لهذه الحاجات، اعتقادا بأن قراءة الروح للعبارات السحرية المدونة على الجدران، تحول هذه الصور إلى حقائق، فأنتج المصريين الشيء الكثير من روائع الفن.

وزيادة في الحرص وإمعانا في الاحتياط عمد قدماء المصريين إلى وضع تماثيل كثيرة للموتى في المقابر، حتى إذا ما لحق الجثة أي عطب، حلت الروح في التمثال فيبعث الإنسان من جديد إلى الحياة الثانية. ولكن التمثال عرضة للكسر، ولذلك وضعت تماثيل عديدة لنفس الميت، حتى إذا ما انكسر تمثال حلت الروح في آخر. وإلى هذا الاعتقاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>