العقول بالتعمق فيما أورده القرآن من تعاليم وأفكار وأسرار انكبت على تفسيره، ولما صادف المفسرون قصصا وأخبارا وردت في القرآن رغبوا في تحديد زمن وقوعها ومعرفة ظروفها وأسبابها، مما دعا إلى ظهور كتب تتناول هذه القصص والأخبار، فمهدت لقيام علم التاريخ، وأخذت موضوعات التاريخ تتسع عندما اهتم المسلمون بتتبع السيرة النبوية وسلوك الخلفاء الراشدين. فكان الحرص على القرآن من أولى البواعث الدينية التي حضت على خلق جو ثقافي أوجد كثيرا من العلوم مثل النحو والبلاغة والتفسير والتاريخ.
ولم يكن الإسلام مجرد عقيدة دينية تلزم من يعتنقها أداء ما تفرضه عليه من عبادات، بل كان محور الحياة الاجتماعية، فاستمدت منه التشريعات التي تنظم العلاقات بين الأفراد والجماعات، وسن المسلمون القوانين التي أسست علم الفقه وأصوله، وبذلك بعث قرآن الإسلام نهضة فكرية دربت الأذهان على استغلال العلم واستنباط القوانين، حتى إذا ما أخذت الحركات المناهضة للإسلام تشتد في هجومها، وتتذرع بالمنطق، وتطعن تعاليمه بالفلسفة، وتناقش معجزاته مناقشة عقلية، قام بالرد على هذه الحملات طائفة من العلماء ساهموا بما أتوا به من حجج لدحض ما ألصق بالإسلام من افتراء بوضع أصول علم الكلام الذي ما وجد إلا ليدافع عن معتقدات الإسلام، وتسلح في دفاعه بسلاح أعدائه؛ أي الفلسفة والمنطق، فانتشرت الدراسات الفلسفية بين المسلمين ونبغ فيهم فلاسفة حملوا شعلة العلم والثقافة إلى أن استلمها منهم الغربيون. .
ولم يقف أثر الإسلام في الحياة الثقافية عند النواحي الأدبية والاجتماعية، بل تعداه إلى العلوم الرياضية خصوصا الحساب. ذلك العلم الذي يحتاج إليه خبراء التوريث في مهام عملهم، لأن كل من يشتغل بعلم الفرائض الذي يحدد نسبة ميراث كل فرد حسب الشريعة الإسلامية يجب أن يجيد مختلف عمليات الحساب، ولذلك وجب على الجميع تعلمه فتوفر المسلمون على دراسته، فعرفوا الأرقام العربية البسيطة السهلة المتداولة بيننا الآن، وأخذها الغرب عنهم، وترك أرقامه الرومانية المعقدة الصعبة، ففتحت الأرقام العربية آفاقا جديدة لعلم الحساب. ولقد أدى تعلق المسلمين ببحث العمليات الحسابية إلى الاهتداء إلى (الصفر) الذي كان له أهمية كبرى في مستقبل العلوم الرياضية. وكذلك قاد اهتمام المسلمين بالحساب إلى اكتشاف علم الجبر وبذلك مهدوا السبل لتقدم العلوم الرياضية فيما بعد حين بدأت نهضة