(اذهب! اذهب إلى الغرفة الأخرى حيث يلعب رفاقك) فقالت الطفلة: (لست أريد أن يذهب؛ فاذهب أنت ودعه هنا)
وكادت الطفلة تبكي. وسمع وقع أقدام من ناحية الباب فأنزعج جوليان، وكان الطفل الأحمر الشعر أشد منه انزعاجا فترك يد الطفلة وتسلل إلى غرفة المائدة. وكي لا يسترعي جوليان نظر أحد ممن بغرفة الجلوس تسلل هو أيضاً إلى غرفة المائدة، وكان وجهه قد صار من الاحمرار في مثل لون الحناء، حتى أن نظرة واحدة منه إلى وجهه في المرآة تكفي لإزعاجه. وكان سبب الاضطراب كله أن حسابه أضله فأوهمه أن الطفل عقبة في سبيل الثروة التي تنتظره. نعم إنه الآن لا يزال في العاشرة فهو قليل الخطر ولكنه سيصبح خطرا بعد خمسة أعوام أو نحو ذلك. وتتبعتهما بنظري فوجدت نظرات جوليان صارت كأنها نظرات ثعبان، وأصبح صوته مسمما. وأخذ يتوعد الطفل. وكان الطفل يتراجع أمام هذا الوعيد حتى لم يعد مكان يتسع لتراجعه، وكان جوليان يصيح به:
أخرج من هنا! ما الذي تصنعه هنا؟ تسرق الفاكهة! أليس كذلك؟ اذهب من هنا يا دميم إلى أمثالك!)
وأدرك اليأس هذا الطفل المسكين فأنكمش ودخل تحت المنضدة فحار مطارده ثم أخرج منديله وفتله فجعله كالسوط وضرب به الطفل ليخرجه من مكمنه.
ولا بد هنا من الملاحظة أن جوليان كان قوي البنية ضخم الخدين تبدو عليه علائم التغذية الجيدة. وكانت أطراف أصابعه كأنها لضخامتها حبات البندق وقد أحالته كراهيته (أو لعلها غبرته) نحو الطفل إلى الجنون المحض.
ضحكت من أعماق قلبي فالتفت جوليان ولعله ذكر في هذه اللحظة احترامه نفسه وكبر أهميته. وفي الوقت نفسه ظهر صاحب المنزل عند الباب وخرج الطفل من تحت المنضدة فأخذ يمسح ذراعيه وركبتيهوأسرع جوليان فجمع منديله الذي كان مفتولا كالسوط وجعله تحت أنفه
ونظر صاحب المنزل إلى ثلاثتنا نظرة المرتاب، ولكنه وهو رجل يعرف الكثير من شؤون الدنيا قد انتهز هذه الفرصة لينال من ضيفه الكثير الأهمية أكثر ما يستطيع أن يناله منه فقال:(هذا هو الطفل الذي حدثتك عنه وأنا أعتمد على فضلك فيما يتعلق به) وأشار إلى