التي قدر لها أن تكون ضمن الإمبراطورية الرومانية كما هي الحال في الأجزاء الجنوبية الشرقية من إنجلترا. ولم ينبغ الإيطاليون في فن مد الطرق صدفة بل كان لهم في طبيعة بلادهم الجغرافية ما جعلهم سادة هذا الفن، وما زالت الشركات الإيطالية تحتل المكانة الأولى في رصف الطرق في بلاد العالم حتى يومنا هذا. وبالنظر إلى شبه الجزيرة الإيطالية نجد روما تتوسط ساحلها الغربي وفي وسطها سلسلة من الجبال العالية تمتد من الشمال إلى الجنوب وتحف بها من على الجانبين سهول طويلة؛ وقد وجد أهل روما في هذه السهول وفي أحجار هذه الجبال ما ساعدهم على مد الطرق لربط أجزاء شبه الجزيرة ببعضها، وهكذا جعلت الظروف الجغرافية إيطاليا المدرسة الأولى لفن مد الطرق ورصفها.
ولنترك الإمبراطورية الرومانية وقد أخذت عوامل الضعف تتنازعها وهي في مجموعها عوامل جغرافية يطول علينا شرحها. ولنتجه إلى الركن الجنوبي الشرقي من البحر الأبيض المتوسط حيث نرى موطنا لسيادة من نوع آخر هي السيادة الروحية! ففي هذه البقعة ظهرت الديانات السماوية جميعها من موسوية ومسيحية ومحمدية، ولم تكن هذه البقعة صدفة موطنا لهذه الديانات ولم يمنحها الله سبحانه وتعالى هذه الميزة عبثا، بل كان ذلك لتوسط موقعها الجغرافي الذي ساعد رسل هذه العقائد وأتباعها على نشر رسالتهم خصوصا ولم تكن سهولة المواصلات في ذلك الوقت قد وصلت إلى ما هي عليه الآن فالإنسان إذا أراد إضاءة حجرة وتوزيع نور مصباحه على أركانها بالتساوي ما عليه إلا أن يختار مكانا وسطا لوضع مصباحه فيها وهكذا فعل الله في أرضه فكانت شبه الجزيرة بأطرافها موطنا لهذه العقائد السماوية.
زحف الإسلام من المدينة تسنده قوته البرية فاستطاع العرب التغلب على أعدائهم لأنهم أحسنوا اختيار ميدان القتال فكانت الغلبة لهم! حتى إذا وصلوا إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط وجدوا عدوهم قد فاقهم بسيادته البحرية فكان لا بد لهم من الاستعانة بالقوة البحرية لقهر أعدائهم. وقد ساعدتهم البيئة الجغرافية الجديدة على تحقيق هذه الأمنية فاتخذوا من موانئ الشام وغيرها قواعد لأسطولهم الجديد حتى إذا كانت واقعة (ذات السواري) البحرية في عهد ثالث الخلفاء الراشدين كانت الغلبة لهم وكانت هذه الواقعة خاتمة السيادة البحرية للروم كما كانت موقعة (سلاميس) السابقة الذكر بداية السيادة البحرية لأسلافهم اليونان.