(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا، إن أكركم عند الله أتقاكم. .) الحجرات.
والرسول (ص) لم يدع فرصة تمر دون أن يكافح عنجهية الجاهلية الأولى، ويحطم شوكة الغرور الذي كان يملأ أنوف المتعاظمين بآبائهم، المتشدقين بأنسابهم وأحسابهم، فقد صباح ذات يوم في قريش قائلاً:(يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم الجاهلية وتكثرها بآبائهم، كلكم لآدم وآدم من تراب، وأكرمكم عند الله أتقاكم. . . . والمسلم أخو المسلم، والمسلمون إخوة. .) وقال: (ليدعن قوم الفخر بآبائهم وقد صاروا فحماً في جهنم! أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدوف بأنفها القذر.)، وغضب حين سمع أبا ذر يعير خادمه بأمه السوداء، وقال:(يا أبا ذر ارفع رأسك فانظر، ثم اعلم أنك لست بأفضل من أحمر فيها ولا أسود إلا أن تفضله بعمل.)
بهذه القوة الكامنة في رسالة محمد (ص) أمكن تحرير الإنسان من عبودية الإنسان، وإزالة التفاوت المصطنع الذي كان يشرف على اصطناعه المرضى بالغرور والكبرياء من ذوي الأحساب والأنساب والأموال، وكما أمكن صبغ الجميع بصبغة المساواة الخالصة، فتيسر وضع أسس الاستقرار فوق الأرض.
ورسالة محمد (ص) هيأت للنفوس حياة طيبة. ولما كان العالم الدعامة التي يرتكز عليها بناء النهضات في الأمم، فقد احتضنت رسالة محمد العلم، ودعت إليه، وحثت عليه، أو كرمت قدره، وأعلنت منزلته، والقرآن الكريم تنطق آياته بتقدير العلم وإعزاز شأنه:
(. . . قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون، إنما يتذكر أولو الألباب) الزمر.
(. . يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات. .) المجادلة.
(يؤتي الحكمة من يشاء، ومن يؤت الحكمة، فقد أوتي خيرا كثيرا. .) البقرة.
بل إن القرآن دفع الناس إلى المغامرة في سبيل تحصيل العلم، وإلى مواصلة التحصيل منه إلى أن يشاء الله، لأن العلم بحرلا ساحل له، ولأنه أفق بعيد لا نهاية له، وهذا الدفع من شأنه أن يجعل الإنسان يقف نفسه على البحث عن كنوز العلم وذخائره:
(ويسألونك عن الروح، قل الروح من أمر ربي , وما أوتيتم من العلم إلا قليلا.) الإسراء.