(هل قرأت قصة لفرانسوا مورياك؟ إنها قصة لا تطالعك بتلك الطاقة القصصية الضخمة التي تطالعك بها آثار كاتب مثل دستويفسكي أو بلزاك، ولا بذلك التصميم الفني الدقيق الذي يشير إلى قدرة الملكة القاصة على السير بخط الاتجاه التفكيري في طريق مرسوم، ولا بذلك (الفهم) الواسع الذي يحيط بصور الحياة ليفرغها بعد ذلك في إطار. . ليس فيها شئ من هذا كله، ولكن فيها الفنان الذي يعيش في موضوع قصته؛ يعيش فيه بكل جوارحه وكل عواطفه وكل همسة روح تخفق بين حناياه. إنه القصاص الذي (يتذوق) الحياة في لحظاتها النفسية النادرة، التي لا يفطن إليها غير أصحاب الوعي العميق!
هناك لحظة من تلك اللحظات النادرة التي أشرت إليها في قصة مورياك؛ وقبل أن أقف بك عند تلك اللحظة ألخص لك موضوع القصة بصراعها النفسي في كلمات، لأن موضوعها هو موضوع العلاقة (الخالدة) بين كل أم وكل زوجة ابن، تحتدم في أعماقهما المعركة حول الرجل الذي تربطه بالأولى روابط البنوة وتصله بالثانية صلات الزوجية؛ هذا الرجل الذي يقف بين (العدوتين) موقف الحائر المتردد الذي تتعرض حياته في كل وقت لهبوب العواصف والأعاصير، وتنقضي حين تنقضي وهي نهب مشاع للمتاعب والآلام. . الابن هنا وهو فرنان كازيناف، رجل ضعيف العزم مسلوب الإرادة يعطف على زوجته ولكنه لا يستطيع أن يجهر بهذا العطف، خوفاً من الأم التي بقيت له بعد وفاة أبيه وطبعته منذ صباه الباكر بطابع الخضوع والرهبة؛ فهو لا يستطيع أن يجادل ولا يعترض ولا أن يقف في وجهها عندما تتعقد الأمور! والأم كازيناف، امرأة تحب ابنها برغم قسوتها عليه، وما كانت قسوتها تلك إلا نتيجة لهذا الحب الذي تريد به الأمومة أن تملك وأن تحكم وأن تستأثر، وألا يشاركها في هذه العاطفة المتأججة نحو ابنها إنسان! والزوجة هي ماتيلد كازيناف، فتاة لقيت من ظلم الحماة وإهمال الزوج وقسوة الحياة ما ينوء به الطوق ويرفض معه الصبر وتخور منه العزائم. . ومع ذلك فقد صبرت، واحتملت، ولفيت متاعب العيش بالرضا القانع والصبر الجميل!
وتمضي القصة في طريقها لتصور لك أدوار الصراع؛ الصراع الذي انتهى بموت الزوجة بعد عملية وضع قوضت من الجسد المنهار آخر حصن من حصون المقاومة أو آخر معقل