سكان بلدة ما من العرب، فكيف نقيم الامتحان العام لمعرفة آمالهم وآلامهم وما يشاركون فيه وما يخالفون؟
ثم إن من العرب من يتكلم في بيته تظرفاً أو تقليداً بالفرنسية، ويقيم في غير بلاد العرب، وليس في نفسه أمل لأمته، ولا ألم عليها. لا يهتم إلا بخاصة أمره، وجوالب لذته وراحته. فهل نعد هذا من غير العرب؟ وماذا يكون: فرنسياً أو إنكليزياً أو ماذا؟
فأنت ترى أن الدعوة العربية تنهار بذلك من الأساس، إذ كيف نقيم البناء ولم نعد مادة البناء؟
أما الإسلام فعقيدة يعبر عنها قول معين، وعبادة وخلق، فمن نطق بالكلمة المعبرة عن العقيدة، وأدى فروض هذه العبادة، وتخلق بهذا الأخلاق، فهو واحد من المسلمين، مهما كان لونه وجنسه ولسانه.
من الوجهة الإسلامية
والإسلام لم يكتف بإسقاط الجنسية من حسابه، بل لقد حاربها، ومنع كل دعوة عصبية جنسية أو قبلية، وسماها دعوة الجاهلية. وجاء منذ أربعة عشر قرنا بما انتهى إليه العالم اليوم، حين أسقط حواجز القوميات وأقام كلا من كتلتيه على عقيدة ومبدأ ولو ظاهراً، فقسم الإسلام الناس إلى قسمين: الذين آمنوا، والذين كفروا. ووجه الخطاب إليهم، بهذا العنوان؛ فكان من الذين آمنوا - وهم أفراد الدولة الإسلامية - رجل رومي هو صهيب، ورجل حبشي هو بلال، ورجل فارسي هو سلمان، ثلاثة رموز للدولة الكبرى يومئذ. وكان من الذين كفروا العربي القرشي الهاشمي عم محمد وأخو أبيه وأبن جده أبو لهب. وكان لهؤلاء الثلاثة منزلة رفيعة في الدولة الإسلامية، فكان بلال وزير الدعاية يعلن مبادئ الإسلام (بالأذان) خمس مرات في كل يوم. وكان سلمان معدوداً على لسان النبي من أهل بيت النبوة. ونزل في شتم أبي لهب قرآن فنحن نقرأ في صلاتنا ذم أبي لهب.
ولكن الإسلام لم يطمس الوقائع التي تجعل للعروبة مكاناً ظاهراً في دولته، فالنبي عربي، والعرب قومه ومنهم أصحابه الأولون الذين نشروا الدين، وأبلغوه أهل المشرق والمغرب. والقرآن كتاب عربي، والحج إلى بلد عربي، فكل مسلم مضطر بذلك إلى حب العرب وتقديرهم وتعلم لسانهم، وزيارة أرضهم.