للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولولا الإسلام ما انتشرت لغة العرب، ولا أقبل الناس عليها، حتى أن مسلمي الصين اليوم وهو خمسون مليونا كلهم يتكلم العربية. وعرب الإسلام آلاف المدن، فهل يستطيع شباب الدعوة العربية اليوم أن يعربوا قرية واحدة تركية أو كردية باسم العربية؟

ولم نقلت إلى شمال العراق: إلى كركوك، كان الطلاب كارهين لدرس العربية ومدرسه، لما كان يسوؤهم به من الدعوة إلى القومية العربية وهم أكراد وأتراك. فلما دخلت أحسست هذه لكراهية في نفوسهم، فخطبتهم خطبة قلت لهم فيها إن العرب كانوا أضل أمة فهداهم الله بهذا الدين الذين نتشرف جميعاً بالانتساب إليه، والذي منع دعوة الجاهلية وحرم العصبية. . . إلى أن قلت لهم: فتعلموا العربية لا من أجل هؤلاء القوميين من العرب، بل من أجل محمد الذي تحبونه، والقرآن الذي تقرونه، والله الذي تعبدونه.

ففاضت العيون بالدمع، وخشعت القلوب، وأمحت الكراهية من الوجوه، وصار درس العربية أحب الدروس إليهم.

وذهبت مرة إلى السليمانية سنة ١٩٣٨ وهي قصبة الأكراد. واشهد أن من الأكراد صالحين وعلماء وذوي رجولة وشهامة، فمررت في آخر السهرة على مسجد فيه عين ماء لنشرب منها، وكانت ليلة صيف، وكان معي شباب يجادلونني في العربية والإسلامية، فوجدنا على بساط في أرض الجامع شابين كرديين من طلبة العلم الديني منبطحين على وجهيهما وأمام عيونهما مصباح وكتاب في أصول الفقه، فيه عبارة معقدة، فما يحاولان فهمها وتفسيرها، ويستعينان بإعرابها ورده ضمائرهما إلى مكانها. . .

فقلت: ألا ترون؟ إن هذين يشتغلان بلغتكم العربية أكثر من اشتغالكم أنتم بها، لأنها عندهما دين! فهل تستطيعون أن تجعلوا فتى كردياً غير متدين يقبل باسم قوميتكم هذه على العربية؟ فسكتوا

ولقد كان المسلمون أمة واحدة، فقامت فيهم هذه الفتنة، فتنة القومية! قال الترك: أتراك. فقال العرب: عرب. فقال الأكراد: أكراد. فانقسمت الأمة الواحدة وتفرق الجمع، وضعفنا وقوى العدو بضعفنا.

من الوجهة التاريخية

ثم إني أحب أن اسأل من هم هؤلاء العرب الذين تفخرون بهم، وتعتزون بأمجادهم. هل هم

<<  <  ج:
ص:  >  >>