عرب الجاهلية والعهود التي كانت قبلها، والتي لم يدركها نور التاريخ، ولم يصل إليها علم المؤرخين إلا قليلاً؟ أم عرب دمشق وبغداد والقاهرة وقرطبة، وهاتيك المدن والمدارس والمكتبات والمؤلفات، وذلك العلم والأدب؟
أما الجاهلية، فإنا لا نعرف شاعراً واحدا فيها ذكر العرب أمة، وأفتخر بالعروبة جنساً. إنما كان فخر كل شاعر بقبيلته، ببكر أو بتغلب أو بعبس أو بكندة وهذه هي المعلقات، وهذه أشعار الجاهلية، فهل فيها فخر بالعرب؟
إن الذي جعل العرب كتلة واحدة من الكتل التي اندمجت في الوحدة الإسلامية، هو الإسلام.
وكل ما كان للعرب بعد من مجد وعظم وعلم وسلطان وحضارة وفخار إنما صنعه الإسلام، فكيف يتفق في منطق هؤلاء القوميين أن نفخر بالفعل وننكر الفاعل، وأن نمجد أثر الإسلام ولا نقر بالإسلام.
يقول بعض المتحمسين من شباب القوميين إن في العرب قوة كامنة انتفضت مرة فكانت الإسلام. وستكون لها انتفاضة جديدة تخرج بمظهر آخر، ولكن لا هم ولا نحن ولا أنتم تعرفون ما هو المظهر الآخر!
وهو يعظمون محمداً ويكبرونه، ولكنهم لفرط الحماسة (وحماسة الشباب أحيانا تقوى على حساب العقل) يسيئون إلى محمد الذي يعظمونه ويصمونه بأكبر ما يوصم به رجل وهم لا يشعرون. يصمونه بالكذب: هو يقول لهم أنه رسول من الله، وإن هذا القرآن ليس من عند نفسه، وهم يقولون لا بل إنه هو الذي ألف من عبقريته ونبوغه هذا القرآن.
أفرأيت إلى أين تصل حماسة الشباب (وكدت أقول حماقة الشباب) بأصحابها؟
ويأتون بكلام له رنة ودوي كدوي الطبل، وإن كان فارغاً من المعنى فراغ الطبل من الشحم واللحم. يقولون (وهذا شعار حزبهم): أمة واحدة ذات رسالة خالدة
وما زالوا يهتفون بذلك ويرددونه حتى اقتنعوا بأنه من كلام النبوة الأولى. مع أنه لا معنى له. لأن العرب كما بينا من قبل، ليسوا بحالهم الحاضرة أمة واحدة، بل المسلمون هم الأمة الواحدة. ولأن هذه الرسالة إن لم تكن الإسلام كانت مجرد كلام.
من الوجهة التطبيقية
والقومية (كل قومية في الدنيا) إنما تقوم على دعائم ثلاثة: اللغة، والعادات، والتاريخ.