للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وانقضى شهران دون أن يعرف بلزاك ماذا يكتب وقد تكدست في ذهنه المشاريع المختلفة. وأخيراً أستقر رأيه على كتابة مأساة شعرية بعنوان (كرموبل) فبدأ توافي على كتابتها وكان يريد أن ينتهي منها سريعاً قبل أن تجئ إليه والدته لتحاسبه على ما أعطته من نقود وعلى ما إذا كان قد استطاع أن يوفي بوعده في أن يصبح أدبيا؟! وأنهمك بلزاك في الكتابة وحيداً في غرفته، لا يغادرها مرة كل بضعة أيام حتى انتهى منها. وحمل بلزاك مأساته إلى أسرته وأتفق الجميع على عرضها على صديق للأسرة ملم بأصول الأدب والنقد. وبعد أن قرأها أبدى رأيه بعدم صلاحيتها. ولم يحاول بلزاك أن يناقش أو أن يحرج كبرياءه بعرضها إلى أشخاص آخرين أو على أحد المسارح فألقى بها في زاوية مكتبه ولم يخرجها من مكانها حتى مماته!

على أن هذه المسرحية؛ رغم فشلها، قد أنالته شيئا من الثقة من جانب والدته في أن يكون يوماً من الأيام أديباً يلمع اسمه بين رجال الأدب في فرنسا.

لم ييأس بلزاك من عدم نجاحه في عمله الأدبي الأول. وكان إيمانه بنفسه كافياً لأن يدفعه ليواصل صراعه. لكن المشكلة الكبرى التي أمامه الآن هي إن المال الذي منحته إياه أسرته يوشك أن ينفذ، ولذا يجب أن يجد طريقة للحصول عليه حتى يستطيع أن يبقى في باريس ويواصل هذا الصراع. وأخيراً أتفق مع أحد أصدقائه ويدعى أوجست لو بواتفان على أن يتعاونا معاً على كتابة قصص يوقعانها باسم مستعار.

وأنتقل بلزاك من غرفته إلى المنزل الذي كانت تسكنه شقيقته لور بعد أن هجرته بعد زواجها وجعله مقرا له يكتب فيه القصص المتوالية بمعاونة صديقه أوجست. ولاشك إن هذه الفترة من حياة بلزاك لا تشرف تاريخه الأدبي. فقد كان يسعى إلى كتابة أي نوع من الكتابة سواء كان قصصاً أو غيرها مادام يدر ربحاً مادياً. وكان يلجأ إلى اقتباس الموضوعات من أي مصدر يصادفه. ولقد كان عذره الوحيد أمام ضميره في ذلك الوقت هو السعي لأن يكسب حياته بأي سبيل حتى يستقل عن الحاجة إلى معونة أسرته، ويستطيع البقاء في باريس تمهيداً لمجده الأدبي الذي لم يتنازل عن العزم على الوصول إليه. ولقد أدى هذا التهافت من بلزاك على كسب حياته بأية طريقة إلى أن لا يتروى في كتابته فكان يؤجر قلمه لكتابة كل ما يطلب منه في مقابل أجر معلوم. ولم يغتفر له مؤرخو

<<  <  ج:
ص:  >  >>