للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حياته فيما بعد هذه الزلة التي أستمر عليها بضعة أعوام رغم سعيه إلى تبريرها بمنطقه البليغ وقدرته الفذة في الإقناع.

على أن أعجوبة بلزاك الكبرى أنه رغم هذا الإسفاف الأدبي خلال تلك السنوات قد استطاع أن يتطهر منه فيما بعد، وأن يكون في أدبه عالي الضمير، يتأنق في فنه ويعيد تصحيح ما كتب بعد إرساله إلى المطبعة عدة مرات حتى ضج منه الناشرون إلى درجة أن قاضاه بعضهم من اجل ما يتحملون من نفقات نتيجة تصحيحاته وتغييراته التي لا تنتهي.

وبلغ بلزاك الثالثة والعشرين وهو في أوج كفاحه المضني بمعاونة صديقه أوجست في سبيل التحرر من إعالة أسرته والبقاء في باريس. وإلى هذه السن لم يكن يعرف عن العلاقات النسائية شيئاً. فقد كان شديد الخجل، مهمل الهندام، لا يجذب إليه نظر الجنس الآخر لبدانته وبعده عن كل جاذبية وانطوائه على نفسه. ولطالما شعر بالألم عندما كان يرى شبانا في عمره يعتبرهم اقل منه ذكاء وشأنا في صحبة فتيات جميلات لا يستطيع هو أن يصل إلى معرفتهن.

وفي ذات يوم هيأت له الظروف رؤية مدام دوبيرني صديقة عائلته وكانت في عمر والدته إذ كانت في الخامسة والأربعين بينما هو في الثالثة والعشرين. فوقع في غرامها وظل يمطرها بخطاباته الملتهمة. ورغم صدها له في البداية فقد انتهى الأمر بها إلى الاستسلام والسماح له بلقائها ذات ليلة في منزلها فتحقق له حلم في التمتع (بتلك الليلة الصاخبة الممتلئة باللذة، تلك الليلة لا يستطيع التمتع بها إلا مرة واحدة ذلك الطفل الذي بلغ مرحلة الرجولة والتي يسعد بها عندما يصادفها لأول مرة في حياته).

ولقد دامت صداقة بلزاك لمدام دوبيرني قرابة عشر سنين. وحتى بعد هجره لها وإنشائه علاقات أخرى مع غيرها فقد بقي وفياً لذكرى صداقتها، يراسلها بين وقت وآخر ويسترشد بآرائها. فقد كان يرى على يديها وحدها تفتحت أمامه أبواب السعادة النفسية وعرف الحب الأول مرة في حياته وفي وقت بلغ به اليأس مبلغاً جعله يفكر في إن الموت هو السبيل الوحيد للخلاص من عذابه.

ولقد كان التفاوت الكبير بين عمريهما مما سهل التغلب على سذاجته العاطفية ومشكلة خجله المرضي. ألم يكن يتمثل مدام دوبيرني أمام ناظريه حين قال كلمته الخالدة: (ليس إلا الحب

<<  <  ج:
ص:  >  >>