فأجاب الجنرال برامبل في جد ووقار: هذا جد مفهوم وأمنت زوجة بصدق على عبارته
حدقت فيهم جميعا في دهش وقلت:
- لماذا؟ أتعتقدون أن الميت قد بعث في مكان الحادث لمناسبة الذكرى المئوية لمصرعه؟
فأجابني اللورد في قلق وضجر: وهل تعتقد يا صاح بغير ذلك؟
نظر إلي الجنرال برامبل وزوجه نظرة كلها استنكار ولوم، فسكت على مضض، وأيقنت إن قصتي الجواد الناطق وغذاء الأطياف لا بد قد وجدتا من هذه العقول الساذجة تصديقا واقتناعاً، فنهضت واستأذنت في الذهاب إلى المخدع.
كانت بغرفتي مدفأة موقدة تضطرم فيها نار وقودها خشب الصنوبر أشبعت جو المخدع بدخان شفاف بينما اكتست النوافذ من الخارج بطبقة من الثلج الرخو كمندوف القطن. أطفأت شموع الغرفة، فصارت ألسنة اللهب المترقص في المدفأة تشيع وحدها الحرارة في ضباب دافئ وضيء، وشعرت بقيظ لم أستطع معه النعاس، وأخذت تجول بخاطري قصص غريبة. وبعد هنيهة، سمعت في الغرفة المجاورة دقات ساعة صداحة تعلن انتصاف الليل.
كنت متعباً مضطرب الأعصاب بعض الشيء. . غير أني شعرت في الوقت ذاته بارتياح إلى ما أصابني من أرق. . وأحسست كأنما حلت بغرفتي روح وادعة تنفث فيها جوا من العذوبة والصفاء. سمعت الصداحة تدق جميع ساعات الليل إلى أن بانت تباشير الفجر فنمت.
نزلت في الصباح لتناول الإفطار متأخراً بعض الوقت فسألتني السيدة برامبل - وهي واقفة أمام المائدة الزاخرة بألوان الطعام في قاعة المآدب - كيف قضيت ليلتي -
إن شئت الصراحة يا سيدتي أخبرك باني نمت من الليل غير أقله، أن السهاد لم يضرني في شئ فقد كان لي من رنين ساعتكم الصداحة خير رفيق أنيس.
فأنتفض الجنرال بغتة وقال: ماذا؟ أتقول إنك سمعت دقات الساعة؟
ثم صاح بحدة في زوجته: هل فهمت يا إديت؟
أجبت الجنرال بالإيجاب وأنا دهش من هذه اللهجة العنيفة التي نطق بها عبارته الأخيرة