للأدب الحي، لا يفتأ يثير في نفوس الناس على تباين مراتبهم ألوان المشاعر والأحاسيس.
ما تعريف الأدب؟
إن هو إلا تعبير فني بالكتابة والقول، مثله كمثل التصوير والغناء والموسيقى والرقص، فالتصوير تعبير فني بالرسم والتلوين، والغناء تعبير فني بالتنغيم والتطريب، والموسيقى تعبير فني بالجرس والرنين، والرقص تعبير فني بالحركة والإيقاع.
تلك هي الفنون التي يعد في جملتها الأدب، فالأدب فن والأديب فنان، والفن للروح لا للعقل، وللنفس لا للذهن. ومن ثم كان الأدب لونا من الألوان التي تخاطب العاطفة والشعور والوجدان، والناس أجمعون قادرون على أن يفهموا هذا الخطاب، فهم سواء فيما انطوت عليه جنوبهم من وجدان وشعور وعاطفة، وإنما يتمايزون في العقول والأذهان، ويتفاضلون بالمنطق واستظهار الحقائق، وليس شيء من ذلك يتعلق به الأدب أو يتخذه له هدفاً.
القارئ الذي لا تسمو عقليته، ولا تكتمل ثقافته، يتعاصي عليه أن يأخذ في شيء من العلك الذي يقوم على استقراء واستنتاج، مما يخاطب العقل، ويتطلب جودة الذهن، وسعة النظر، ولكنه لا يتعذر عليه أن يتأثر بالأدب الفني الرفيع، مادام فن الأدب تعبيرا عن الحياة في صورة تتصل بالنفس وتساير العاطفة وتخاطب الوجدان.
ليس الأديب بمكتشف حقيقة من الحقائق، أو مبتدع حكمة من الحكم، أو مزاول تجربة من التجارب، فالحقائق والتجارب والحكم متعالمة متعارفة، لا يزيدها الأديب شيئاً، ولا يضيف غليها جديداً، وإنما هو يستخلص شذورها من بين الأخلاط والشوائب، ويلم شملها من فرقة وشتلت، ويحسن انتزاعها والتقاطها من مضطرب الحياة في صورة فنية جملية، كما يلتقط الجهاز الكهربي ذبذبات صوتية معينة في أفق عريض يعج بأمواج متلاطمة من الأصوات.
لا ضرورة ثمة إلى أن يكون الشعب مثقفاً لكي يفقه الأدب الفني ويستسيغه ويتأثر به، فحسب الشعب أن يكون سري العاطفة، قوي البصيرة، ذكي القلب، نقي الذوق، وأذن يسعه أن يتقبل الأدب الفني بقبول حسن، ويحله منه المحل الكريم.
رب فلاح أمي في بطن الريف يعقب على الأحداث بجملة فإذا هي مثل سائر، ويخوض في الحديث بكلمة فإذا هي من جوامع الكلم، ويهزه الطرب أو يروعه الفزع فيرسل الأنشودة فإذا هي فن، ويغنيها فإذا هي لحن. . . ولا شيء من ذلك يبعث على عجب. فما