المتمدنة. لا يبدي الشعر ولا النحر، ولا يثقل على راس حاملته ولا عيون الناظرين.
وذكرت كيف أخرجتها أول مرة لتقرأ شيئاً، فسمعت إلقاء أجزم أني ما سمعت قط من فتاة أوضح منه ولا أفصح، وقلما سمعت من رجل مثله، إلقاء خطيبة واثقة من نفسها، متمكنة من أدبها، ضابطة لمخارجها؛ فاهمة لمعانيها مؤدية لها. فلو أن أمرؤ لا يعرف العربية يسمعها لفهم من لفظها المعنى من تفخيم اللفظ في موضع التفخيم. وترقيقه في حل الترقيق، وإيفاء اللهجات في السؤال والجواب والدهشة والإعجاب. فكأنك لا تسمع كلاماً، وإنما تبصر من هذا الإلقاء المعبر (فلماً) ناطقاً ملوناً؛ على ضبط للألفاظ، وحفاظ على القواعد، وتمكن من اللغة والنحو.
وكانت مسلمة علماً وعملاً واعتقاداً، وذلك جماع الإسلام.
ونالت شهادة البكالوريا ودخلت الجامعة، والجامعة فيها هذا المنكر العجيب:
الاختلاط بين الشبان والشابات في غرفة الدرس، وفي باحة الكلية، وفي حديقة الجامعة، وفي المكتبة، وفي النادي، وفي الرحلات والحفلات (وهما شر تلك المنكرات). والطريق إلى الجامعة طويل، والدروس في الليل والنهار، والجامعة في طرف البلد بين البساتين والأنهار، والدين ضعيف، والزمان فاسد، والغرائز مكبوتة، وإبليس مستعد متيقظ. ولا يأمن مع هذا كله الفساد على بنته إلا مغامر لا يبالي ما فقد من عرضه، أو مجنون من شأنه إلا يبالي بشيء!
فكانت سيرتها من الجامعة عجباً من العجب. وكانت تجربة وقى الناس الله شرها. كما قال عمر بن الخطاب: وما كل تجربة يوقى صاحبها الشر - لم تختلط بأحد، لا بطالب ولا بطالبة ولا بأستاذ.
أما الطلاب، فلأن الدين والشرف والعرف تمنع كلها اختلاطها بهم، ولو للسؤال عن موعد الدرس، أو معادلة الكيمياء، إذ يجر السؤال عن موعد الدرس إلى السؤال عن موعد الغرام، والمعادلة تدعو إلى المقابلة، وما تقابل البارود والنار، إلا كان الانفجار!
وأما البنات، فلأن في خلطة بعضهن ما هو شر من خلطة الشباب، إذ يفسدن من لا يطمع في فسادها أفسق شاب؛ ولأن منهم رسل الشيطان، ووسائط الاتصال بالرجال.
وأما الأساتذة فلأنهم (هم أيضاً) رجال، ولأن الشرع لما أمر بستر العورة، وغض النظرة،