للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أما الملك وأعوانه، فإنهم يدفعون الناس بحثاً عن الذهب، لأنه الوسيلة لاستعبادهم، مع أن الذهب شيء (ميت) لا جمال فيه. وانظر إلى الحوار بين نالديني وبين الأستاذ الفيلسوف.

نالديني: يحيرني أن أرى مدينة بأسرها تدفع رأسها في التراب دفعاً، وتنقب بكلتا يديها في الظلام. أنتم تحفرون النفق في العالم السفلي ليل نهار، وترجعون بثروة ميتة أودعت الأرض منذ أجيال فصانتها.

الأستاذ - نحن نبتهل إلى شيطان هذه الثروة الميتة، وإذا استطعنا استعباده رقد العالم تحت أقدامنا دون عناء.

نالديني - ألهذا تخبئون مليككم خلف حائط من الستار المعتم؟ أخوفاً أن يكشف الناس أنه سلطان؟

الأستاذ - كما أن لشبح ثرائنا الميت بأساً شديداً مخيفاً فإن لشبح الملكية الغارق في الضباب بأساً أشد وأقوى. إنها بقواها غير البشرية ترعب الناس.

نالديني - كل ما تقوله كلام نسجته الصنعة وزوقه الخيال.

الأستاذ - إنه صنعة زوقها الخيال. ولئن كان العاري أسرع فهماً وتصديقاً، فإن الملابس المصنوعة هي التي تستر ما في أجسادنا من عيوب، وتخفي ما نود كتمانه، وهي بعد تحددنا. لشد ما يمتعني أن أناقشك الفلسفة!

نالديني - هذا غريب منك أنت الذي اتخذت وكرك في الليل والنهار بين كتلة من الصفحات الصفر الشاحبة مثل حفاريك الذين ضلوا في جوف الأرض. إنك تضيع وقتي سدى.

هذه عبارات سهلة ولكنها تعبر عن فلسفة في غاية العمق. إنها قصة الإنسانية التي ذهبت في الحضارة شوطاً بعيداً، فأصبحت تصنع كثيراً من الصناعات لا تقوى على المعيشة بدونها، بل أصبحت تمجدها وتعبدها. الحق إن الإنسان المتحضر عبد لآلاف الأشياء التي يستعملها، والتي يقتنيها بالمال، كالمسكن وما فيه من أدوات، وهذه الملابس المعقدة، وسائر المقتنيات الكثيرة التي تزحم بها أنفسنا في هذه الحياة. ومن أجل هذه المقتنيات، والسبق في الحصول عليها، أخذ الناس يستعبد بعضهم بعضاً بالعسف والإرهاب، واستعمال السيف والسوط، حتى نزل الرعب في القلوب، وسرى الخوف في أوصال العباد. ولو تأملوا لرأوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>