نرسم النموذج الحي لقاء صولديات قليلة، لعلك تعلم كيف كنا نقتطعها من حاجات العيش اقتطاعاً.
(وأقول أنه لولا ذلك لما استطاع الأستاذ (ف) أن يظفر بذلك الرسم الذي يعزه فوق إعزازه لأي شيء آخر؛ فقد كانت تيرا تأبى أن تعرض فتنتها على شيوخ الفن في المراسم الكبيرة الجافية، وتؤثرنا وحدنا بنعمة الإلهام من جسمها العجيب. فقد كنا شبعتها التي تلتف حولها في خضوع وعبادة.
(نعم كنا أتباعاً لجمالها. وكانت تصطفي من جمعنا من تشاء. على أنك لم تكن تعلم ما الذي يدنيك منها وما الذي يقصيك عنها. فقد كنت أن تقرر أن بعض الحسن أولى أن يستميلها، وأن بعض الشباب أحق أن ينال رضاها؛ ولكنها كانت تعرض عن هذا وذاك، وتقبل وأنت حائر والكل حيارى على القبح الذي كان يخطر لك أنه أشد ما ينفر، والشيخوخة التي لم تحسب لها أي حساب.
(غير أنها كانت تعود فتستبدل الحسن بالقبح والشباب بالشيخوخة، فلا أحد يتولاه اليأس من أن يفوز بمتعة ليلة. وهي كانت ليلة مفردة فلا يطمع أحد في أكثر منها. والويل لمن علل النفس بالآمال وطمع في دوام الحب. أنه كان يضيع قلبه ويتلف روحه.
(وظلت فيرا على هذا النحو نموذجاً لحقيقة الجمال وصورة لإحدى ربات الأقدمين غريبات الأطوار، حتى بدا لها في أمسية من الأماسي أن تجول بين أشتات اللوحات بعد جلستها الأولى لترى كيف رسمها الرسامون ووقفت عند لوحة فوقفت تضحك.
لم يكن هناك رسم ولا شيء يشبه الرسم في تلك اللوحة وإنما كان هناك على الأصح تراب الفحم امتزج به العرق الكثير، فنشأت منه بقع سود كبار، وإذا كان تحتها شيء فهو خيال امرأة لا يظهر للعين إلا على جهد.
فقالت فيرا، إذن فالرسم سهل يسير. فما يعجزني أن أرسم شيئاً كهذا.
ونظرت إلى صاحب اللوحة، وهو فتى غض الإهاب من طلاب الأكاديمية فإذا هو يستند إلى الحائط وهو يبتسم وكأنه يدافع عن نفسه بذلك الابتسام، فقلت لنفسي أنه مسكين، وإن أمره لم يكن عن جهل بالفن. وكنت على يقين؛ فقد جرى لي نفس ما جرى لذلك الفتى يوم أن رأيت جسم فيرا العاري لأول مرة. ولكن العرق الذي تصبب مني كان أقل. ولعل هذا