حلوة، يتجلى فيها الرضا. فإن أطلت النظر إلى وجهها الذي بدأت تتغير قسامته بعض الشيء من أثر السنين في حياتها الجاهدة، أو تأملت في ثوبها البسيط الذي حاولت بذوقها العالي أن تجعل له رواء، أو تطلعت إلى شعرها الذهبي الذي لم تحسن ترجيله لعجلتها في الصباح ردتك في لطف كما ردتني مرة بقولها وهي تضحك: سيدي الأستاذ! لا تنظر إلي هكذا! إني امرأة صالحة، وإني لا أسمح. .
(وكان إيمانها بفتاها كإيمان الشهداء لا حد له. فإذا قال لها قائل لماذا يتمسك فيراري بذلك المذهب الغريب في الرسم والناس لا يفهمونه ولا يرون فيه جمالاً أجابته قائلة: إن فيراري نابغة يجهل الناس قدره، ولا ضير عليه أن يلقى الصعاب، فكل نابغة قد تعب قبل أن يدرك غايته.
(وقد لقيتها بعد معرض عرض فيه فيراري بعض رسومه فحمل عليه النقاد حملة قاسية. وسألتها ماذا قال فيراري حين سمع ذلك النقد فقالت، وهي ثائرة النفس:
ماذا يعلم النقاد من حقيقة الفن؟ إن الفن لا يعرفه إلا من عاش فيه. وقلت أني لا أحسبهم قد بعدوا عن الحق. فقالت وهي تبدي المزاح وتخفي الجد: سيدي الأستاذ أليس من الجائز أن تكون غيوراً؟)
إن اللواتي يشبهن فيرا ندرة بين النساء، أو ما علمت أن زوجتي حين ساءت حالي زمناً قصيراً لم يزد على شهر سعت إلي مرة بكل ما في المرأة من اللين كيما تقول إنها عثرت لي على عمل آخر أهون علي من الرسم وأكثر ربحاً وهو وظيفة بواب؟
(لقد كانت فيرا في الحق كنزاً عظيماً. إلا أن ذلك الفتى الغرير لم يقدرها قدرها. فقد أخذ بعد فترة من الزمن يميل عنها ويكثر السهر خارج الدار متعللاً لذلك بشتى العلل. وكانت فيرا تظن كل شيء إلا أن يكون الفتى قد مل عشرتها. ولكنها علمت مرة بطريق الصدفة أن للفتى خطيبة من بنات (تراستفري) الغاويات أبوها صاحب مطعم وأن الفتى يقضي مع الصبية في المطعم وعلى شاطئ التيبر شطراً من المساء وشطراً من الليل.
لم يكن في إصبع فيرا (دبلة) كالتي تلبسها كل حليلة لأنها لم تكن حليلته. ولكنها كانت في واقع الأمر زوجاً كأفضل الأزواج. وإذن فقد كان لها أن تثور أو تبدي الغضب أو تصب على صاحبها اللوم، ولكنها لم تلجأ إلى شيء من كل هذا.