الماضي شغل الساعة في عالم الغرب، أما نحن فقد لبثت أقلامنا بإزائه صامتة، لا تكاد تمس الموضوع إلا مسا رفيقا، إذا استثنينا كتابا أو كتابين؛ وكأنما أحس الأستاذان المؤلفان بهذا النقص المعيب، بل هو أجدر أن يسمى فقراً وإجداباً، فشاءت لهما همة عالية، أن يتداركا الأمر بعزم حديد وكفاية ممتازة، فأخذا منذ عام أو نحوه يخرجان للناس بحوثاً مستفيضة في كتب تترى، هذا ثالث أجزائها، وفي فصول متلاحقة أخذت تغمر الصحف، حتى كان لنا في علم النفس بفضلهما محصول ذو غناء بوفرته ومتاعه، وأي شيء أحب إلى النفس وأمتع من أن تطالع نفسها مشروحة مفصلة، في تحليل عميق سهل مستساغ، لا تشوبه خشونة العلم وغلظته؟ فقد وفق الأستاذان الفاضلان فيما يكتبان إلى (السهولة في الأسلوب، والوضوح في العبارة، مع الدقة في التعبير، والبحث وراء الحقيقة، حباً في الوصول إلى الحقيقة لذاتها، حتى يسهل الصعب، ويتضح الغامض، ويقرب إلى الأذهان ما بعد عنها، من تلك الموضوعات التي لم تخدم بالعربية الخدمة اللائقة بها). وأما فصول هذا الكتاب القيم فهي: الفكر، الحكم، الاستنباط، التعليل، التفكير الراقي، الوجدان، الانفعالات، العواطف، الأمزجة، الأذواق، الشخصية. . . . . وقد وضعا بجانب الاصطلاحات العلمية ما يقابلها باللغة الأجنبية تجنباً للخلط، ومنعاً للخطأ في التفكير
وما دمنا بصدد ترجمة الألفاظ، فقد نحب أن نعترض اعتراضاً نعترف أنه تافه بالقياس إلى هذا المؤلف الجليل: فقد ترجم الكاتب كلمة بلفظة (التعقل) في الصفحة الخامسة من الكتاب، ثم عاد في الصفحة الثالثة عشر فأطلق لفظة التعقل هذه، تعريباً لكلمة ومهما يكن بين اللفظتين من قرب وشبه، فقد كنا نؤثر أن ننقل الكلمتان الإنجليزيتان المختلفتان إلى كلمتين عربيتين مختلفتين، وليس ذلك بعزيز على الأستاذين المؤلفين. وهناك ملاحظة أخرى أخذتها العين أخذاً أثناء التصفح السريع، فقد أراد الكاتب أن يورد تعليل الوجدان (ص١٤٦) فقال: (التعليل الجثماني - ومعناه أن الوجدان راجع إلى تغيرات مادية خاصة تحدث في الجسم، فينشأ عنها الشعور بالسرور أو الألم. وقد أجريت تجارب لإثبات ذلك فوجد مثلاً أن القلب يبطئ في دقاته، وأن التنفس يسرع عند السرور، أما عند الألم فقد شوهد العكس، أي أن القلب يسرع في ضرباته، وأن حركات التنفس تكون بطيئة. . .) وعندنا أن هذا متناقض أوله مع آخره، أو على الأقل كتب بعبارة يفهم منها القارئ هذا