الصحف، يستدرون عطف كتابها، ويستثيرونهم على أناس، نعدهم نحن لنا أساتذة وموجهين، على رغم ما قد ينشب بيننا وبينهم من خلاف أحياناً. وأخذت الحالة لبوساً جديداً، فكانت حملة قاسية عنيفة، من كاتب كبير في صحيفة ذائعة على خريجي دار العلوم، فكتبت سطوراً أدفع بها ما تجد طائفتي من شر، بإظهار الحقيقة كاملة، وبيان ما تحمل هذه الدعوى في طياتها من غرض خبيث، وما تهدف إليه من إشاعة روح الفرقة والبغضاء!
وأما الشق الثاني فكان تقريراً لواقع الأزهر في العشرة أعوام الأخيرة، ولقد عشت فيه، وقضيت برحابه زمناً، فوجت واقعه عفناً، وأفسق بعقلي إذا ارتضيته ودافعت عنه، أو سكت عليه، أو واطأت أحداً على بقاءه. وما أشبه الذين يرتضونه من أبنائه، بالقروي الذي لم يطعم إلا الجميز، فهو يظنه أحلى ما في الوجود من فاكهة. ولم أعتب عليهم أبداً، فقد كنت أنا مثلهم يوماً!. . . وكنا لجهلنا المطبق بما تزدحم به الحياة حولنا، نظن أن علم الأزهر هو كل ما عرفت الإنسانية من ثقافات، وأن هذا الكلام الذي يدرسه طلاب المدارس على اختلافها هذر سخيف لا جدوى منه ولا فائدة فيه. وكنا نضرب أياماً طوالاً، نهتف فيها من أغوار حناجرنا (افتحوا لنا الكلية الحربية. . افتحوا لنا كليات البوليس والآداب) إلى آخر ما كنا نسمع من أسماء الكليات!
كان ذلك من زمن، وظننت أن الأزهر - وقد فارقته - وقد أصابه مس الحضارة فتغير في نظمه، وتطورت عقليته، كما تغيرت في مصر أشياء كثيرة، حتى إذا سمعتهم يهتفون أمام اللواء محمد نجيب حين زارهم، (افتحوا لنا الكلية الحربية) عرفت أن الحال كما هو، وأن أشقاءنا الأزهريين، يعيشون في واد تقطعت به أسباب الحياة!
ولا أزال أذكر من هذا الواقع حتى الساعة، كيف قدمنا للأزهر للمرة الأولى، صغار السن طرايا العقل، فاستقبلنا بالسخف الذي يستقبل به طلابه حتى الآن، أي المذاهب تختارون؟. . . مذهب أبي حنيفة، أم مالك أم الشافعي أم ابن حنبل؟ ولم نكن نعرف عن واحد من هؤلاء شيئاً، فمن كان والده على شيء من الدهاء، اختار له مذهب أبي حنيفة ليصبح قاضياً شرعياً، أما الباقون فيتابعون السير هكذا عميا، حتى إذا استقر بنا المقام بدأنا نتعصب لتلك المذاهب، ونتقاتل عليها، كل يزعم لإمامه العلم والفضل، وكان المالكية