تحول بيننا وبين اقتفاء أثره في سفرته إلى برستول ومالطة، وما تخلل ذلك من منازعات ومصالحات وعهود واختلاطات وعودة إلى الأفيون وشفائه منه جزئياً ثم ارتكاسه وانتكاسه ويأسه ثم غروب شمس حياته النبيلة الطيبة في دار (جلمان) في (هاي جيت).
وعلى كل حال دعنا نلاحظ شيئين قبل الاقتناع بما يدلي به بعض الذين يكتبون بسخرية عن كوليرج وضعفه. فأولاً أنه كافح وجالد وقارع في أعمق مهاوي اليأس فخرج منتصراً في نهاية الأمر. لقد نال النصر بد أن قدم في سبيل ذلك ثمناً باهظاً جداً. ولقد أصاب هذا النضال الشاق الدامي مئات من الكفايات الممتازة التي يتمتع بها، ولكن الرجل بالرغم من هذه الجروح والكلوم التي استنزفت دماء حياته، وخرج وبيده المرتعشة كأس النصر وعلى رأسه الدامي إكليل الغار. أضف إلى ذلك أن علينا إن نلحظ أثناء مطالعتنا للمنازعات والخصومات وما تبع ذلك من سوء التفاهم المزمن بينه وبين أصدقائه بأن الوقت كلما محا سبباً من أسباب هذه الأمور التافهة ظهرت طيبة كوليرج الطبيعية جلية واضحة سافرة عارية. وكيف أن كوليرج - بمرور الأيام - يخرج بريئاً من كل التهم التي ألصقت به جزافاً بدافع الضغينة والحسد. لقد عرف كوليرج ضعفه واعترف به، ولكنه، على الأقل تعلم من ذلك الرقة والشفقة حيال ضعف أصدقائه. . . ولكن هذا المزاج الرقيق جعله مبهماً وغامضاً لدى جماعة ساوذي وهازلت، كما جعله غريباً عند ورد زورث ذي الشخصية المركزية.
وهكذا فبهاء فكره هو الذي عزله عن أصدقائه. . . فالعدل والإنصاف يوجبان علينا تصور كوليرج عندما كان قوة مؤثرة في محبيه والملتفين حوله في أيام عزه، وليس كوليرج أيام (هاي جيت) المتأخرة، ذلك العملاق الذي انهار صرح مجده وانهدمت أركان قوته والذي مسخ صورته كارليل مما ألصق به عيباً لا يمحى؛ وحتى كوليرج سنه ١٨١٦، الذي طالب لامب أن يصنعه (برئيس الملائكة الذي أصابه البلى) في رسالة صداقية إلى وردزورث. فليس هذا الذي يحببنا بكوليرج، بل الذي يجذبنا إليه ويجعلنا نتعلق به هو تلك الشخصية السامية التي غدت ذكرى عاطرة وفكرة باقية في ذهن لامب وعلى شفتيه في تلك الأيام القليلة التي ظل متعلقاً بها بإهاب الحياة بعده. وقد قال بصدد ذلك: (لقد مات كوليرج، ولكن روحه العظيمة الحبيبة لا تزال تكثر من الترداد علي. لم أر مثيلاً له ولا يحتمل أن يرى