للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وبذلك يقتصر الاستمتاع به على القليل، ولكن الآلة تنهض بدورها في إشاعة هذا الصوت المحبب، وفي تقريب مناله من الأسماع في كل زمان وفي كل مكان.

وكذلك الشأن في التمثيل، فالرواية التي تشهدها جمهرة لا تتجاوز بضع مئات، بأجور مرتفعة لا تتيسر للكثير، تستطيع (السينما) أن تبذلها للألوف بثمن بخس، في قدرة على التنقل، وفي حرية من الوقت، وتمكن من التكرار، وأمان من وطأة التكاليف.

على أن الذين يسلمون بأن (السينما) تيسير للفن، وتعميم له، يتساءلون: أليس التيسير يسيء إلى الفن؟

أو ليس تعميمه يدعو إلى تبسيطه، والنزول به عن مستواه الرفيع؟

والجواب عن هذا التساؤل يصدق على (السينما) كما يصدق على المذياع والكتاب. ولقد كان الكتاب وما يزال درجات، فيه الرفيع الخاص، وفيه المنخفض العام. . . وما شأن (السينما) والإذاعة إلا كذلك، يجب أن يكون فيهما لكل طالب حاجته، ولكل مستوى ما يناسبه.

والواقع أن تيسير الفن لا يحط من الفن، بل أن هذا التيسير سبيل إلى أن يتذوق الشعب ما يقدم له من الأعمال الفنية، فتتأثر بها نفسه، ويرتفع مستواه، ويصبح للفن عوناً على النهوض والازدهار. . .

والذين يأخذون على (السينما) أنها آلية، ويؤثرون عليها المسرح لأنه غير آلي، ينسون أن المسرح نفسه يتخذ من الآلات ما يعينه على بلوغ أغراضه. . . فأنت إذا دخلت مسرحاً من المسارح الراقية ألفيت نفسك في مصنع كبير تحتشد فيه عدد وآلات، يستكمل بها المسرح عناصر التمثيل، ويتلافى ما فيه من نقص وعجز، ويساير بها ما بلغ الفن من تقدم وتطور، وقد يبعثك هذا الذي تراه على القول بأن هذه (السينما) لم تكن إلا عوناً من الآلة على تحقيق أحلام فنية لم يستطع المسرح تحقيقها في نطاقه الضيق، ووسائله المحدودة.

ولتجدن كثيراً من المتعصبين للمسرح يقولون:

حسبك من ميزة له على (السينما) أن عماده وجوهره هو الممثل الحي، هو ذلك الذي تراه بشراً سوياً حياً لك، تملأ منه عينيك، وترعيه سمعك، فأما (السينما) فما هي إلا أخيلة وأطياف، والفرق واضح بين حقيقة ماثلة، وخيال موهوم!

<<  <  ج:
ص:  >  >>