للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والهاتفون (بالسينما) لا يعدمون رداً على المتعصبين للمسرح بهذه الحجة، فهم يقولون بأن فنية التمثيل لا تزيد فيها واقعية المسرح، ولا تنقص منها خيالية (السينما). . إذ المعول كله على الإجادة والإتقان، حتى يتيسر بذلك اندماج المتفرج في العمل الفني المعروض، فإذا هو يستجيب لما يسمعه وما يراه.

واعتبر ذلك بالغناء، فإن الأغنية الرائعة هي التي لا تكاد تهز أوتار سمعك حتى تهتز أوتار قلبك، فإذا أنت تفنى فيها، وتحلق معها، وذلك هو جوهر الإمتاع بالسماع، فأما الأغنية التافهة فهي التي لا تتجاوز الآذان هي التي تضل الطريق إلى مشاعرك، فلا استجابة بينك وبينها ولا اندماج.

وكذلك الشأن في التمثيل، فهو يقوم في جودته وإتقانه على أن ينسلخ المتفرج مما حوله، ويمضي في مساق القصة المعروضة، يعايش أجواءها، ويعاشر أشخاصها، ويشاركهم ما يزاولون من تجربة إنسانية صادقة غير مكذوب بها على الحياة.

وربما تلقف أنصار (السينما) هذا القول بالتعويل على فنية التمثيل، فاتخذوا منه حجة للفن السينمائي. قائلين: إن المسرح فن ناقص، إذ يشعرك في كثير من ظواهره بأنك أمام أخشاب ملونة، وأوراق مقواة، ومناظر ملفقة سرعان ما تصدمك، فتعيد إليك وعيك، وتحول بينك وبين الاندماج فيما تحاول تمثيله من واقع الحياة. وأن مناظر البحار والأنهار، وتمثيل الغرق والحريق، وتصوير البواخر والقطارات والطائرات، لتخفق الإخفاق كله على منصة المسرح، بل أنها لتبعث على الهزؤ والسخرية. . . ومن ثم لجأ المسرح الحديث إلى الرمز يستعين به على التأثير ويعالج به أن يوحي إلى الأذهان بالجو المنشود في القصة المبسوطة. ولكن (السينما) بمنجاة من ذلك النقص، فالوسائل فيها أقوى على تصوير الواقع، وتمثيل الحقيقة، إذ أنها تنقل المشاهد والواقف، بحيث لا يشك ناظر إليها في أنها قطعة من الحياة لا زيف فيها ولا نشوز ولا استكراه، وبذلك يبلغ الفن السينمائي ذروته في ضمان التأثير، وفي تنويم الوعي، وفي تيسير الاندماج بين النظارة والتمثيل.

ومما يثيره أنصار المسرح في مجال الموازنة بينه وبين (السينما) أن الممثل المسرحي يشعر بشخصيته كاملة يعبر عنها يوماً بعد يوم في طلاقة وتجدد. فإنه في الرواية الواحدة يستطيع أن يتشكل ويتطور في أدائه لدوره، كلما مضى في تمثيله مرة بعد مرة. وفي هذا

<<  <  ج:
ص:  >  >>