أولئكم؟) فدل بذلك على أن سنته في الكافرين المكذبين بكتبه ورسله سنة عامة لا استثناء لها ولا منجى منها إلا بالإيمان والعمل بالدين الذي تتمثل فيه قوانين الدين في الفطرة، وتتضمن أحكامه التطبيق المحكم لسننه سبحانه في الاجتماع؛ تلك السنن التي علم الله أن السبيل إليها وإلى تطبيقها غير ميسور للناس على الزمن ولا مضمون خلافاً لسننه سبحانه في المادة والطاقة وما إليهما فأمرهم أن يطلبوا هذه بأنفسهم ومن عليهم بتلك مطبقة محكمة في أحكام الإسلام.
ونحن اليوم نرى صدق عموم تلك السنن رأي العين فيما حاق بمخالفيها في الغرب وفي الشرق؛ فالغرب قد نال من العلم الطبيعي عن طريق البحث التجريبي ما نال حتى ظن أنه قد ملك الأرض يفعل فيها ما يريد غير مراقب في الناس إلاً ولا ذمة، ولا مراع في اجتماعياته شرعاً لله ولا سنة. فإذا بنفس علوم المادة تنقلب عليه نقمة، وإذا بأمواله تتحول بتلك العلوم مناجل وقنابل تحصد أهله، وتمزق شمله، وتترك دياره العامرة بلاقع ومدنه الزاخرة حطاماً (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة، إن أخذه أليم شديد) وسيان أن يهلك العاصون لله وسننه بحجارة من سجيل يمطرونها على أيدي الملائكة، أو بقنابل زرية وغير ذرية يمطرونها على أيدي أمثالهم من الناس مصداقاً لقوله تعالى (وكذلك نولي بعض الظالمين بعضاً بما كانوا يكسبون).
ومن عجب أن الغرب لاقى ببغيه ومعصيته حربين هائلتين أنسته أولاهما حروب التاريخ، وأنسته أخراهما أهوال الأولى، وكان في كل منهما يبكي ويستبكي، ويدعو ويتضرع، ويعد ويمني؛ حتى إذا خرج من الأولى نسي ما عاهد عليه الله ونقض ما عاهد الناس فأذاقه الله بالثانية لباس الجوع والخوف فلم يعتبر ولم يرتدع ورجع إلى بغيه الذي ألف كما تشهد أعماله في مصر وفلسطين، وفي المغرب الأقصى وإيران وفي كينيا وكوريا وما إليهما. فلم يبق إذن إلا الثالثة تأتيه فلا تبقى منه ولا تذر. وأنى له أن يتجنبها وهو ينحدر إلى هاويتها بالاستعداد لها - زعم - كالمنزلق من جبل لا يستطيع إلا أن يزداد انزلاقاً حتى يهلك. فكان الغرب في ماضيه وحاضره مثلاً آخر مرعباً مؤسفاً للمكذب المغتر الظالم لنفسه ولغيره؛ فهو يوشك أن تحق عليه كلمة الله فيلقى ما لاقاه قوم قال الله فيهم (فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين. فجعلناهم سلفاً ومثلاً للآخرين).