وانطلقت هي تعد النجوم وأنا ألثم فاهاً كلما عدت واحداً، وهي فرحة بلثماتي، تردها مضاعفة حارة، وتهز رأسها وتنفض شعرها ثم تلقي بنفسها على ذراعي كرة أخرى وتستأنف العد ووجهها إلى السماء وشعرها المرسل متدل إلى الأرض. . .)
وأياً ما كان أمر هذه العلاقة العابرة وحظها من الواقع أو الخيال فثمة علاقة أخرى مما عرض للمازني في تلك الفترة من حياته، بعد وفاة زوجته، لا شك في أنها حقيقة مؤكدة وواقع صرف. وذلك حيث يذكر في مقدمة روايته (إبراهيم الكاتب) أنه عرف سيدة نمسوية تزاول الصحافة والتعليم في آن معاً؛ وتوثقت بينهما الصداقة فقد طال مقامها في مصر. وكانت - كما يصفها - حسناء في مقتبل العمر، عالمة واسعة الاطلاع في الآداب والفلسفة على الخصوص. ويقول المازني إنها أطلعته على صفحة من حياتها حافلة بالكروب والمتاعب. ولعلها وجدت فيما حدثها به من قصة حياته - وكانت لا تزال تعاوده صبابة من الحزن على فجيعته بفقد زوجته - ما جعلها تعطف عليه وتأنس به وزاد ذلك بينهما حتى آض، على الأيام، صغوا وتعاطفا وودا. . . (حتى لقد هممت بأن أتخذها زوجة، ثم عدلت عن ذلك وصرفت نفسي عنه، وصارحتها بالسبب، وإن كنت لا خطبتها، ولا كان بيننا ما يخطر ببالها أني قد أعرض عليها الزواج.
كلا! لم يحي المازني قط بمعزل عن المرأة، فقد كانت أكبر علائق الحياة عنده، وعليها درس فلسفة الغريزة والجنس، ومن معرفته وفهمه لطبيعتها كانت شخوص قصصه من النساء نماذج طبيعية للمرأة تصدر جميعاً عن فطرة سليمة وعاطفة مستقيمة. على أنه لم يكن يرتفع بالمرأة فوق مكانها من الجنس أو ينأى بها عن وظيفتها إزاء الرجل والنوع كله، فهي عنده الأنثى التي هيأتها الطبيعة لتكون أداة حفظ النوع وصيانته.
وقد ماتت عنه زوجته الأولى فما لبث أن تزوج بعد سنوات لأنه لم يستطع كما يقول أن يشيح بوجهه عن أهم جانب من جوانب الحياة. وما كان ليعترف بالعزوبة أو يؤمن بجدواها في حياة الأديب. ويقول إن أكبر مزية للزوجة هي أنها (سكن) وأنها تفيض على نفس الرجل وتفرغ على قلبه سكينة هي في رأيه السعادة التي يحق للإنسان أن يطمع فيها ولا بعجز عن الفوز بها. والزوجة عنده سبيل معرفة المرأة فليس يعرف المرأة من لا يعرف الزوجة ولو عرف ألف امرأة غيرها).