للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحب، أو هذه العاطفة التي تكون بين الرجل والمرأة، أو بين الذكورة والأنوثة على الإطلاق، هو عند المازني مظهر الغريزة النوعية في الإنسان أو هو الوسيلة التي تتخذها الحياة لبقاء مظهرها الإنساني، والأداة التي تستخدمها لحفظ النوع. وهو بهذه المثابة، ليس إلا ضرباً من الجوع، كالجوع إلى الطعام، وإنما يشتهي المرء بغريزته النسل فيطلب المرأة، وتشتهي المرأة فتطلب الرجل. وليس الرجل أو المرأة بعد، كما يقول المازني، بالغاية المنشودة من هذا الشعور الدافع الذي نسميه الحب، وإنما الغاية هي استخدام هذا الشعور لاتصال الرجل بالمرأة اتصالاً يؤدي إلى التناسل أي حفظ النوع.

وعند المازني أن الحب أشد استغراقاً للمرأة، لأن مدار حياتها على حفظ النوع. ولهذا كانت الغريزة الجنسية فيها أقوى منها في الرجل.

ولا يؤمن المازني بما يسمى الحب العذري أو الأفلاطوني ويقول إنه (مظهر شذوذ أو ضعف في الطبيعة الإنسانية) وآية ذلك عنده ما ينتهي إليه في أكثر الحالات من الخبل أو الجنون. . (وإذا كان الحب لا يدفع إلى طلب الجنس الآخر فلابد أن تكون هناك علة أو آفة كالعلة التي تصرف الجائع عن الطعام).

وليس الحب عنده بعد ذلك تضحية أو إيثاراً أو شيئاً من هذا القبيل، بل هو أنانية صارخة من كلا الجانبين على السواء (فكل محب همه الاستيلاء على محبوبه والاستئثار به دون خلق الله جميعاً).

على أن أهم ما ذهب إليه المازني في فلسفة الحب هو رأيه المعروف القائل بالتعدد، وأن القلب الإنساني يتسع لأكثر من حب واحد في وقت واحد، أو في أوقات متقاربة، وإن اختلف كل حب في القوة والنوع والوجهة، وهو بعد حب صحيح يعلق القلب ويحرك الحس ويغير في النظرة إلى الحياة. ويؤكد المازني أن الإنسان لا يعرف التوحيد في الحب، (فلا الرجل يعرفه ولا المرأة تعرفه، والحقيقة أنه أكذوبة ضخمة وخرافة يلهج بها اللسان ولا يصدقها القلب.) وقد كانت زوايتاه الطويلتان إبراهيم الكاتب وإبراهيم الثاني تطبيقاً لهذا الرأي وتمثيلاً له في هذه الحدود.

والكلام عن المرأة في حياة المازني لا يتم بغير الإشارة إلى شخصية كان لها أثرها البارز في حياته وأدبه.

<<  <  ج:
ص:  >  >>