للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

- يا أيها الناس إني قد عهدت عهداً، أفترضونه؟

- فقال الناس، رضينا وقام علي فقال:

- لا نرضى إلا أن يكون عمر!

- قال: أنه عمر!

فأقروا بذلك جميعاً ورضوا به ثم بايعوا. . . (إلى آخر ما جمعت في الكتاب، من أخبار هذا الباب.) والستة الذين سماهم عمر، لم يكونوا إلا لجنة استشارية، عملها تنظيم المرشحين، والعمل على فوز مرشح واحد بالتزكية وهذا ما فعله عبد الرحمن، وما ثبتت خلافة عثمان إلا بالبيعة.

فالبيعة هي الدعامة الكبرى في الحكم الإسلامي، ولم يستطيع الخلفاء المستبدون، في أكثر العصور ظلماً، وأشدها ظلاماً، أن يهدموا هذه الدعامة، فكانت البيعة هي الأساس، وإن تحولت، كما تحولت حقائق الإسلام عند أكثر المنتسبين إليه - من جسد وروح، ومظهر وجوهر، إلى أجساد ومظاهر فقط.

أما الديمقراطية الصادقة، فهي الدعامة الثانية؛ فالخليفة ليس أفضل الأمة ولكنه أكثرها عملاً، وليس المالك لرقابها ولكنه أجيرها، ولا يمتاز دونها بمطعم ولا ملبس ولا مسكن، هكذا كان الخلفاء الأولون، قبل أن تصير الخلافة ملكاً، وهذي خطبهم و (تصريحاتهم)، وهذي سيرهم وأعمالهم، شاهدة على أكثر مما نقول:

والدعامة الثالثة الرقابة، كل فرد من الأمة شرطي يراقب الحاكم، يطيعونه ما أطاع الله، ويقومون بأمره ما أقام الدين، إن أحسن أعانوه، وإن نسي ذكروه، وإن أعوج قوموه، وكان عمر يتمنى أن ينصب الناس أميراً إن استقام أطاعوه، وإن جنف قتلوه.

قال له أحد الصحابة (نسيت اسمه):

- أفلا قلت: عزلوه؟

- قال: لا، القتل أنكى لمن بعده!

ونحن لا نبالي إن اجتمعت لنا هذه الخلال في رجل: البيعة والديمقراطية والاستقامة، أن يسمى رئيساً أو ملكاً أو إماماً أو أمير المؤمنين. هي اصطلاحات لا تقدم ولا تؤخر، لكن منها ما يخفف على الأذن سماعه، وعلى القلب احتماله، كاسم الرئيس، ومنها ما يشعر

<<  <  ج:
ص:  >  >>