أما وراثة الحكم، فلا تجتمع مع الإسلام في دستور، أيرث الولد ملك رقابنا، نحن الشعب كله، كما يرث الابن بقرات أبيه وعنزاته؟ أعوذ بالله! وهل بعد هذا مهانة أو ذل؟
إنه لا شيء أثقل على نفوس الناس، ولا أفسد لنفس صاحبة من ولاية العهد. أتخضع رقابنا، وتنحني جباهنا لطفل يحدث في لباسه؟ لماذا بالله؟
ألأنه خرج من فم أمه أو من أذنها، وسائر الناس يخرجون من حيث يخرج سائر الناس؟ أخلق الناس من ماء وطين، وخلق هو من الحليب والشكولاتة؟
أله دماغان في رأسه - وأربعة عيون في وجهه - ويطير بجناحين، لا يمشي كالناس برجلين؟
لقد ألف الناس الخضوع للرجل القوي الأمين، أما الخضوع لطفل، أمثاله يؤمرون فيطيعون، ويؤدبون فيضربون، أو لامرأة، فشيء لم نألفه، وما نألفه أبداً.
يقولون إن الملك رمز، كملك الإنكليز يملك ولا يحكم
والجواب، أنه ليس في الإسلام رئيس يملك ولا يحكم، بل الرئيس في الإسلام يحكم (بحكم الله) ولكن لا يملك؛ لأن الناس في نظر الإسلام أحرار لا يملكهم أحد.
الرئيس عندنا هو الذي يجتهد في وضع الشرائع مستنبطة من أصولها، وهو الذي يقضي القضاء، وهو الذي يدير الإدارة، وهو الذي يقود الجيش، وله أن يوكل عنه من تتحقق أمانته ومقدرته، أي أن أقرب الأنظمة اليوم إلى نظام الإسلام، جمهورية كجمهورية أمريكا، على أن تكون مدى الحياة.
وفي مقابلة هذا السلطان، لا يمتنع الحاكم على انتقاد ولا يترفع عن نصح، ولا يكون له في القضاء ما ليس للناس، وليس في الإسلام تهمة القدح بالذات الشاهانية، ولا محاكم خاصة للملك وأهله، بل ليس لأهل الملك ميزة أبداً، ولا يأخذون من مال الدولة، أو ينالون من خيرها فضلاً عن آخر فرد من الأمة.
وليس للحكم طبقة ولا قبيلة، وما ورد من أن الخلافة في قريش، هو أولاً حديثاً معارض بحديث عمر: لو كان حذيفة حيا لوليته، وحذيفة كان مولى؛ وحديث: لو ولى عليكم عبد حبشي. . . وهو ثانياً حديث مبتور له تتمة، والقاعدة عندهم، أن الزيادة من العدل مقبولة،