وبين زادان فروخ في نقل الديوان، فعزم الحجاج على أن يجعل الديوان بالعربية وقلد ذلك صالحاً. فقال له مراد نشاه بن زادان فروخ: كيف تصنع بدهويه وشيشويه؟ قال اكتب عشر ونصف عشر! قال فكيف تصنع بويد؟ قال: اكتبه (وأيضاً) والويد النيف والزيادة تزاد. فقال: قطع الله أصلك من الدنيا كما قطعت أصل الفارسية! وبذلت له الفرس مائة ألف درهم على أن يظهر العجز عن نقل الديوان ويمسك عن ذلك، فأبى ونقله. فكان عبد الحميد بن يحيى كاتب مروان بن محمد يقول لله در صالح! ما أعظم منته على الكتاب!). ويقال إن الحجاج أجل صالحاً أجلاً حتى قلب الديوان).
هذا عن نقل ديوان العراق وفارس. أما ديوان الشام فيروي البلاذري أيضاً سبب نقله فيقول (قالوا ولم يزل ديوان الشام بالرومية حتى ولى عبد الملك بن مروان. فلما كانت سنة ٨١هـ أمر بنقله، وذلك أن رجلاً من كتاب الروم احتاج أن يكتب شيئاً فلم يجد ماء فبال في الدواة، فبلغ ذلك عبد الملك فأدبه، وأمر سليمان بن سعد بنقل الديوان، فسأله أن يعينه بخراج الأردن سنة، ففعل ذلك وولاه الأردن. فلم تنقض السنة حتى فرغ من نقله وأتى به عبد الملك، فدعا بسرجون كاتبه، فعرض ذلك عليه، فغمه، وخرج من عنده كئيباً، فلقيه قوم من كتاب الروم، فقال: اطلبوا المعيشة من غير هذه الصناعة! فقد قطعها الله عنكم! قال وكانت وظيفة الأردن التي قطعها له معونة مائة ألف وثمانين ألف دينار).
أما ديوان مصر فيقول الكندي في كتاب (القضاة والولاة) في أمر نقله (وبويع الوليد بن عبد الملك. . . فأقر أخاه عبد الله على صلاة مصر وخراجها وأمره بالدواوين فنسخت بالعربية، وكانت قبل ذلك تكتب بالقبطية، وصرف عبد الله بن أشناس عن الديوان وجعل عليه ابن يربوع الغزاري من أهل حمص)
ومهما يكن ما ترويه المصادر القديمة من أسباب مباشرة لتعريب الدواوين فالذي لا شك فيه أن عبد الملك وابنه الوليد وعاملهما الحجاج كانوا شديدي العصبية لكل ما هو عربي، وأن الدولة قد اتجهت إلى تعريب إدارتها كما قدمنا، استكمالاً لمظاهرة سيداتها وتوفير لكرامتها.
ولقد ترتب على هذا الحادث التاريخي الهام عدة أمور خطيرة: -
فالعربية الفصحى أفادت ألفاظاً جديدة كثيرة كما يؤخذ من ترجمة دهوية وشيشوية وويد، فهي مثال لما حصل، بالفعل على نطاق واسع. وظهرت في العربية ألفاظ كثيرة إما معربة