ودماء الابرياء. . .؛ وينشيء القوى صرح مجده، ويرفع ذرى عظمته، ولكن أساسه جماجم المظلومين، وعظام الشهداء؛ ويملأ القوى بالذهب خزانته، ولكن دراهمها قد جمعت من أيدي اليتامى، وأفواه الفقراء
(٧) بعد ساعة واحدة، تحط القافلة رحالها، فتلتفت إلى الوراء فلا نرى إلا ظلاماً، يلمع في وسطه نجم من الذكرى، نتبين فيه (العلم المربع الألوان) وهو يخفق على دمشق، فتخفق قلوبنا لجلال الذكرى، ومرارة الفقد! فنحول أبصارنا إلى الأمام فلا نرى إلا الظلام. ولكن. . . ما هذا النور الذي ينبعث من الأرض فيذهب صعداً في السماء، فيهدينا الطريق، ويترع نفوسنا قوة وأملاً؟ لقد علمت: هذا بريق الدماء التي سقينا بها صحراء ميسلون، وجنان الغوطة، لقد علمت: لايزيح ظلمة المستقبل، إلا هذا النور. . . الأحمر!
(٨) تزين الناس ولبسوا أحسن ثيابهم، وراحو يهنيء بعضهم بعضاً، لقد امتلأت بهم الأسواق والشوارع، والبيوت والمجامع، لقد ناءت برسائلهم قطر البريد، حتى ما ترى حيثما كنت إلا ثغوراً تبسم، وما تسمع إلا مقالة تقال: كل عام وأنتم بخير.
كل عام وأنتم بخير. .
غير أني لا أفقه من هذا كله شيئاً!
(٩) فيم الهناء؟ وعلام السرور؟. . أيهنأون بتلك الأرواح التي دفعناها ثمن الحرية، فكان للبائع الثمن والبيع؟ أم بالنفوس الكبيرة التي أزهقها الأقوياء، أم بالمنازل التي خرجوا؛ أم بالدور التي أحرقوا، أم بالحق الذي غصبوا، أم بالحرمات التي انتهكوا؟. . . أم بالأزمة العامة، والتجارة الاسدة، والصناعة العاطلة، والزراعة البائرة، والأخلاق الضائعة، والرجولة المفقودة، والحدود المستباحة، والجهالة المنتشرة؟. . . .
أما إن أشد البلاء، ألا نشعر بالبلاء! وأكبر المصيبة أن نجهل أنها المصيبة! فما لهؤلاء الناس وماذا اعتراهم؟ أيفرحون بهذا كله؟. . . .
إني لا أفقه من هذا كله شيئاً!
(١٠) عزفت عما فيه الناس، ورحت إلى شرفتي كئيباً، وكان الظلام قد ملأ الكون، كما ملأ جوانب نفسي، فغشيني ذهول عميق، وانطلق لساني يقول: