١ - طور الزهد: لم يكن لتصوف في هذا الطور نظاماً فلسفياً ولا مسلكاً دينياً وإنما هو طريقة في الحياة والمعيشة خاصة، تمتاز بالزهد في الملذات والابتعاد عن الدنيا حباً في الآخرة، فهو إذن إسلامي خالص لا أثر للعوامل الخارجية والعناصر الأجنبية فيه من نصرانية ويهودية وهندية وفارسية. ول ما هنالك أنه ظهر في صدرالعصر الأموي جماعة من المسلمين رغبوا عن هذه الحياة الاجتماعية الملأى بألوان اللهو والتهتك والخلاعة، وتطلعوا إلى حياة هادئة وفورة مرضية لضمائرهم التي تتشوق إلى الابتعاد عن صغائر الحياة وسخافاتها مطابقة لعقائدهم التي ما زالت شديدة التمسك بالحياة الاسلامية الخالصة من بساطة وسذاجة. زد على ذلك أن الحياة السياسية كانت قلقة مضطربة، فالفتنة قائمة بين الفرق والشيع، والمعارك مستعمرة بين مختلف القادة والأمراء، كل ينشد جاه الحكم ومجد السلطان غير ملتفت إلى ما يجره ذلك من هدر دماء المسلمين وتشتيت كلمتهم ورجوعهم إلى جاهليتهم الأولى. كل هذه العوامل غدت الحركة الزهدية وبعثت في قلوب بعض المؤمنين الميل عن المادة والانصراف إلى العمل الصالح في نفسه وتذكير الناس بأمور دينهم وعقائدهم. ويأتي (نكلسون) العالم الانجليزي الضليع في هذه الأبحاث فيضيف إلى هذه العوامل عاملاً آخر لا يقل عنها قوة وأثراً، ذلك أن الصورة التي يبرزها القرآن الكريم (للخق) عز وجل هي في نفسها تدعو إلى الخوف والرهبة، فهي صورة إآله جبار شديد البطش سريع العذاب. فالشعور بالخوف من جهنم الذي يكتنف قاريء القرآن يدعو حتماً إلى التصوف والزهد واحتقار لمادة والابتعاد عن سبل الضلال
ومن أهم الشخصيات الممتازة في هذا الدور الحسن البصري الذي عُرف بالزهد والورع والرجوع إلى السنة في بساة العيش وسمو الغاية. ومنهم أبو هاشم الكوفي الذي يقال إنه أول من أطلق عليه لقب (الصوفي) وأسس ديراً للمتصوفين في رملة فلسطين. ثم ظهر ثلاثة نفر فيما وراء النهر في فارس في أواخر القرن الثاني الهجري وهم: ابراهيم بن أدهم وشفيق البلخي وفضيل بن عياض، فنرى عندهم بدء نظام فلسفي، فهم يمثلون دور الانتقال من حياة الزهد إلى نظام التصوف الفلسفي، ولعلهم كانوا عاملين على الامتزاج بالتعاليم الهندية الفارسية لقرب موطنهم من هذه البلاد التي كانت تتفاعل فيها هذه المباديء المختلفة. ويظهر ذلك بجلاء عند الزعيمة المتصوفة رابعة العدوية التي كانت كما يقول