جرم كان نثره صناعياً خاضعاً لأحكام البديع وقوانيينه، هذا
وإن شعره ونثره وتوليه أعمال الانشاء للملك الأشرف تدلنا
على نوع الثقافة التي تلقاه حتى هيأته لتولى ديوان الانشاء
فهو علوم الدين واللغة العربية تل العلوم التي كان لزاماً أن
يأخذ منها بحظ وافر يساعده على تولي هذا المنصب، ولقد
تلقى هذه الثقافة بمصر، إذ أننا قد رجحنا أنه لم يغادر وادي
النيل إلا بعد موت صلاح الدين، فيكون قد شب وترعرع في
أرض مصر، والثقافة المصرية كانت زعيمة الثقافات، كما
كان ملوكها زعماء الملوك
- ٢ -
لأبن النبيه مذهب في الحباة يشبه مذهب غيره من شعراء مصر أو على الأقل شعراء مصرر الذين درسنا أقوالهم، ذلك المذهب الذي ينظر إلى الحياة نظرة من يريد التمتع بما فيها من خير وجمال، لا يصدف عنه، ولا ينأى بجانبه عن حسنه وما كمن فيه من أسباب السرور والمتعة، فهو يوقن أن الدنيا متقلبة، فهي جيناً ضاحكة، وأحياناً عابسة، فما له يعكر على نفسه صفوها حينما تكون صافية، وما لا ينتهز الفرص وينال اللذة؟
خذ من زمانك ما أعطاك مغتنماً ... وأنت ناه لهذا الدهر آمره
فالعمر كالكأس تستحلي أوائله ... لكنه ربما مجت أواخره
واجسر على فرض اللذات محتقراً ... عظيم ذنبك، إن الله غافره
وكان لهذا المذهب آثاره الكبرى في حياته العملية، فهو يحب الخمر ويطرب لشربها، ويترع الكأس ويروي بها ظمأ نفسه، وهو يهفو الى السقاة يتغزل فيهم، ويصف محاسنهم، وقد كان السقاة يُختارون من أجمل الفتيان وأصحبهم؛ بل إنه يهفو الى كل وجه جميل، ولو