هذا وكان أكبر شيء يسره مجلس أنس يجمع بين روضة فيها مختلف الأزهار والورد حف بها نهر، وهناك بين أصحابه يجلس مغن يطرب السامع ويملك عليه نفسه، ثم تدور المدام في يد ساق جميل فيسكر سكرين من الخمر والجمال الساقي. وقد وصف ذلك المجلس حينما أرسل الى أحد أصحابه يستدعيه إذ قال:
نحن في روضة وزهر ونهر ... ومدام كالشمس من كف بدر
ومغن قد راسلته الشحار ... ير، فأغنت عن جس عود وزمر
أنت روح، ونحن جسم فان غب ... ت فان القلوب تكوى بجمر
إن كفا إليك قد كتبتها ... تتهادى ما بين سكر وشكر
فأنت ترى من كل ما ذكرناه أنه كان يذهب في الحياة مذهب الذين يريدون أن ينالوا منها كل متعة ولذة، يلتمسونها في كل مكان، وترى أن مثله الأعلى في الحياة كان أن يتمتع بها، ولا يضن على نفسه بشيء من مباهجها، وكله ثقة في أن الله سوف يغفر الذنوب جميعاً
(البقية في العدد القادم (احمد أحمد بدوي
٦ - بين القاهرة وطوس
نيسابور
للدكتور عبد الوهاب عزام
برحنا سبزوار والساعة ثمان من صباح الخميس ثاني رجب سنة ١٣٥٣ (١١ أكتوبر سنة ١٩٣٤) فضربنا في السهل صوب الشرق نصف ساعة. ثم ارتقينا جبلاً هبطنا منه الى سهل فسيح، وهذا رأينا إيران ما بين قصر شيرين وطوس، سهولاً تحيط بها جبال، فما يزال المسافر على جبل او في سهل يفضي البصر فيه الى جبل حيثما توجه. هبطنا سهلاً كثير الشجر والزرع، قد انتثرت القرى في أرجاعه، تحيط بها الأشجار الباسقو، ورأينا زروعاً شتى منها البطيخ والقطن. ورأينا لوز القطن قد تفتح، ولما تعدُ الأعوار ذراعاً
وبعد مسيرة وربع من سبزوار، نزلنا بقرية على الطريق اسمها شوراب، فأكلنا من عنبها واستراحنا قليلاً. ثم استأنفنا السير تلقاء نيسابور والقلوب يملؤها الشوق، والفكر يستجمع ما وعى من أحادديث التاريخ عن المدينة العظيمة ذات المياه والقرى والأشجار - المدينة ذائعة الصيت فب العلم والأدب التي نشأت علماء يفتخر بهم المسامون على الأدهار، بلد