حتى عادت أعمر بلاد الله وأحسنها وأكثرها خيراً وأهلاً وأموالاً لأنها دهليز المشرق، ولابد للقوافل من ورودها.) وقال بصفتها قبيل غارة التتار:(وعهدي بها كثيرة الفواكه والخيرات) وقال: (لم أر فيما طوفت من البلاد مدينة كانت مثلها)
ثم كانت القارعة التي دمرت حضارة الاسلام - كارثة التتار - فأحرقوا وهدموا، وقتلوا وسبوا وسلبوا، وتركوها خاوية على عروشها، ولم تنسها المصائب من بعدُ، فقد أغار عليها الأزبك وغيرهم في عصور مختلفة
ذكرنا هذه الخطوب ونحن قادمون على نيسابور، ولكن خيال المدينة الكبيرة المزدهرة المزدحمة بمساجدها ومدارسها كان يغلب علينا فنمنى النفس برؤية نيسابور في زينتها وجلالها
وردناها والساعة عشر وثلث فأبصرنا إلى يسار الجادة قرية هي بقية الأحداث من نيسابور، كما يبقى من الجنة الناضرة عود يابس، أو من الرجل العظيم قبر دارس
ماتت المدينة فلم يبق إلا أن نزور قبرها فيما بقي من قبور أبنائها، فها نحن أولاء نسرع المسير إلى قبر عمر الخيام. وقفت بنا السيارات بعد قليل على حديقة بعيدة من البلد فدخلنا بستاناً كبيراً تتوسطه طريق واسعة، فهبطنا درجات إلى مستوى سرنا به خطوات، وهبطنا إلى مستوى آخر، وبجانبنا قناة تنحدر إلى المستوى الأسفل فتفضي إلى حوض في وسط الطريق. وتنتهي الطريق إلى مسجد صغير جميل نقشت على بابه آيات من القرآن، واسم الشاه طهماسب الصفوي الذي بناه. وفي المسجد ضريح لأحد أبناء الأئمة من آل البيت النبوي رضي الله عنهم، واسمه محمد المحروق وينتهي نسبه إلى زين العابدين علي بن الحسين
وإلى يمين المسجد مصطبة لها درجات قليلة ولها سياج من الرخام وفي وسطها عمود كتب على أوجهه أبيات من الشعر. فهذا قبر عمر الخيام. وقد سمعت ممن زاروا القبر قبلاً أنه كان في طاق في جدار المسجد (وفي جدار المسجد على جانبي الباب طاقان) ثم نقل إلى هذا الموضع
لم يعجبنا قبر الخيام، فقلت لوزير المعارف، كان ينبغي أن تكون بجانب القبر أشجار تتهدل أغصانها عليه، وتنثر الأزهار فوقه كما وصف الخيام قبره قبل موته، وكما رآه نظامي