وقد مُدَّ وراء قبر الخيام رواق كبير وضعت فيه كراسي للجلوس ومدت فيه موائد الطعام
استراح الوافدون قليلاً واجتسوا ما شاءوا من أصناف الشراب ثم وقفوا يشربون على ذكر الخيام، قلت بئس ما ذكرتم صاحبكم! وانتبذت أنا وزميلي الأستاذ العبادي جانباً وتركنا القوم وخيامهم. وقلت لبعض رفقائنا الايرانيين أين قبر العطار؟ فلابد لقادم نيسابور أن يزوره، فيسر لنا المسير اليه فذهبت أنا وبعض الحاضرين إلى قبر العطار. سارت بنا السيارات في طريق غير معبدة فانتهينا إلى حديقة ذابلة الشجر والزهر، وفي وسطها بنية ثمانية عليها قبة، ولجنا الباب خاشعين إلى قبر عال عليه كسوة خضراء، وإلى رأسه عمود أسود أطول من القامة قليلاً عليه آية الكرسي وأبيات في مدح الشيخ فريد الدين العطار.
لبثنا برهة في حضرة شيخ الصوفية الجليل، والشاعر المفلق المكثر الذي نظم زهاء ثلاثين منظومة فيها أكثر من ألف ألف بيت - ناظم منطق الطير، وإلهي نامه، وأسرار نامه، وجوهر الذات الخ ومؤلف خاشع، والذكرى الجليلة آخذة على النفس آفاقها وهنا لطيفة لا يسعنب إهمالها
بينما أرخج من باب حديقة العطار أحسست بوخزة في كفي فظننت زنباراً لسعني، فأخبرت رفيقي الشاعر الشاب النابغة رسيد الياسمي فضحك وقال: قبلت الزيارة. قلت: لاغرو أن تكون وخزة من العطار ينبهني بها من الغفلة. ألم يقل معاصرو العطار:(إن شعره سوط السالكين)؟ قال بلى. ثم ارتجل بيتاً فارسياً
نيس عطار است اين، زنبور نيست
ر تحمل ميكني زو دور نيست
(خذه حمة العطار لا حمة الزنبار، فان تحملت فهو أهل لذلك)
فاجبته على الفور:
لسع الزنبار كفي عادياً ... ودواءً كان شعر الياسمي
ولما قدمنا مشهداً جاء الى شاعرنا النابغة وقد نظم أبياتاً كثير في هذه الواقعة أترجمها نثراً فيما يلي معتذراً اليه من هذه الترجمة المرتجلة التي لا تفي بشعره السلس، ومعتذراً الى القراء عم فيها من مدح: