كونه يقل عن المليونين عداً (نحو مليون وستمائة ألف ثلثاهم من المسلمين)، يقدس حرياته واستقلاله، ولهذا عادت ألبانيا فاضطرمت بحركة وطنية اخرى؛ وتدخلت السياسة اليوجوسلافية خصيمة السياسة الإيطالية لتأييد هذه الحركة التي قادها زعيم فتي هو أحمد زوغو؛ ولم يمض عامان أو ثلاثة حتى استطاع أحمد زوغو بمعاونة يوجوسلافيا أن ينشئ في ألبانيا جمهورية مستقلة، وان ينتخب رئيساً لهذه الجمهورية (فبراير سنة ١٩٢٥). ورأى زوغو أنه لا يستطيع المحافظة على سلامة الدولة الجديدة في بلد وعر قوى المراس قليل الموارد دون معاونة أجنبية؛ ولما رأت السياسة الإيطالية أن يوجوسلافيا تنافسها في ألبانيا، تقربت من أحمد زوغو؛ وآثر زوغو بعد أن حقق الخطوة الأولى من برنامجه أن يتفاهم مع حكومة رومه، وانتهى هذا التفاهم بعقد ميثاق تيرانا (نوفمبر سنة ١٩٢٦)، وهو ميثاق تأييد متبادل وتعاون ودي، تستطيع الحكومة الإيطالية أن تتدخل بمقتضاه في شئون ألبانيا، وتتعهد أن تحافظ على الحالة القائمة فيها في حدود المعاهدات المعقودة وميثاق عصبة الأمم. وفي العام التالي عقدت ألبانيا مع إيطاليا معاهدة دفاعية لمدة عشرين سنة، تتعهد فيها كل منهما بأن تضع تحت تصرف حليفتها كل مواردها العسكرية والمالية وغيرها متى طلبت إليها هذا العون لدرء الخطر عنها
واستطاع أحمد زوغو أن يهدئ الحالة في ألبانيا وأن يقبض على ناصية الأمور رغم هذه الاتفاقات التي تقضي على استقلال ألبانيا وتجعلها شبه مستعمرة إيطالية. واستغلت إيطاليا هذه الفرص لتوطيد نفوذها؛ وعقدت لألبانيا بواسطة عصبة الأمم قرضاً قدره خمسون مليون فرنك ذهباً، وقامت بإنشاء البنك الألباني الوطني، ووظفت أموال إيطالية كثيرة في المرافق الألبانية، ومكنت السياسة الفاشستية نفوذها من ألبانيا. واعتمد أحد زوغو على هذا النفوذ في تأييد مركزه وسلطانه؛ وفي سبتمبر سنة ١٩٢٨ أعلن نفسه ملكاً على ألبانيا باسم الملك زوغو الأول، واستطاع أن يوطد مركزه وأن يقضي على كل معارضة؛ ولكنه شعر في نفس الوقت أن توغل النفوذ الإيطالي في ألبانيا، يثير الشعور الوطني، وقد ينقلب هذا الشعور ضده، ورأى من جهة أخرى انه ليس في كبير حاجة إلى معاونة إيطاليا بعد؛ فلم يقبل أن يجدد ميثاق تيرانا الذي انتهى أجله سنة ١٩٣١، وبقيت معاهدة سنة ١٩٢٧ هي أساس العلائق بين إيطاليا وألبانيا؛ ولكنه اضطر أن يعقد اتفاقاً مالياً في صيف ١٩٣١،